[ ص: 262 ] فصل ( في كراهة بيع الدار وإجارتها لمن يتخذها للكفر أو الفسق )
قال رحمه الله باب الخلال ثم ذكر عن الرجل يؤاجر داره للذمي أو يبيعها منه المروزي سئل رحمه الله عن رجل باع داره من ذمي فقال نصراني ؟ واستعظم ذلك وقال : لا تباع ليضرب فيها بالناقوس وينصب فيها الصلبان وقال : لا تباع من الكفار وشدد في ذلك . أبو عبد الله
وعن أبي الحارث أن سئل عن الرجل يبيع داره وقد جاءه نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدار ترى له أن يبيع داره منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي ؟ قال : لا أرى له ذلك يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها ، يبيعها من مسلم أحب إلي : وعن أبا عبد الله قيل إبراهيم بن الحارث الرجل يكري منزله من الذمي ينزل فيه ، وهو يعلم أنه يشرب فيه الخمر ويشرك فيه . لأبي عبد الله :
قال كان لا يكري إلا من أهل الذمة يقول : نرغبهم قيل له كأنه أراد إدلال أهل الذمة بهذا ؟ قال لا ، ولكنه أراد أنه كره أن يرغب المسلمين ، يقول : إذا جئت أطلب الكراء من المسلم أرغبته فإذا كان ذميا كان أهون عنده وجعل ابن عون يعجب من أبو عبد الله ابن عون فيما رأيت وهكذا نقل ولفظه قلت الأثرم . لأبي عبد الله
وعن مهنا قال : سألت عن أحمد فقال : كان الرجل يكري المجوسي داره أو دكانه وهو يعلم أنهم يزنون لا يرى أن يكري المسلم يقول : أرغبهم في أخذ الغلة وكان يرى أن يكري غير المسلمين . ابن عون
قال كل من حكى عن الخلال في الرجل يكري داره من ذمي فإنما أجابه أبي عبد الله على فعل أبو عبد الله ولم ينفذ ابن عون فيه قول . وقد حكى عنه لأبي عبد الله إبراهيم أنه رآه معجبا بقول والذي رواه عن ابن عون في المسلم يبيع داره من الذمي أنه كره ذلك كراهية شديدة فلو نفذ أبي عبد الله قول في السكنى كان السكنى والبيع عندي واحدا . لأبي عبد الله
والأمر في ظاهر قول أنه لا يباع منه ; لأنه يكفر فيها [ ص: 263 ] بنصب الصلبان وغير ذلك والأمر عندي أن لا يباع منه ولا يكرى ; لأنه معنى واحد قال أبي عبد الله : قد أخبرني الخلال أحمد بن الحسين بن حسان قال : سئل عن أبو عبد الله ابن حصين عبد الرحمن فقال روى عنه لا أعرفه قال له حفص أبو بكر : هذا من النساك حدثني سمعت أبو سعيد الأشج يقول أبا خالد الأحمر هذا باع دار حفص عابد أهل حصين بن عبد الرحمن الكوفة من عون البصري فقال له أحمد قال نعم ، فعجب حفص يعني من أحمد . حفص بن غياث
قال وهذا تقوية لمذهب الخلال فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر وإن الذمي يقر وإن الفاسق لا يقر لكن ما يفعله الذمي فيها أعظم . انتهى كلامه أبي عبد الله عون هذا من أهل البدع أو من الفساق بالعمل قال أبو بكر عبد العزيز فيما ذكره عن القاضي لا فرق بين البيع والإجارة عنده فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة وإذا منع الإجارة ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك .
وعن إسحاق بن منصور أنه قال سئل يعني لأبي عبد الله الأوزاعي عن فكره ذلك قال الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني ما أحسن ما قال ; لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس قال الشريف أحمد أبو علي بن أبي موسى كره أن يبيع داره من ذمي يكفر فيها بالله عز وجل ، ويستبيح المحظورات فإن فعل لم يبطل البيع وكذلك قال أحمد أبو الحسن الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها ، وأما وصاحبه . الخلال
فمقتضى كلامهم تحريم ذلك وقد سبق كلام والقاضي وصاحبه وقال الخلال : لا يجوز أن يؤجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه للخمر سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ، وقد قال القاضي : لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها يبيعها من مسلم أحب إلي . [ ص: 264 ] أحمد
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة : لا يستأجرها الرجل المسلم منهم يعينهم على ما هم فيه قال : وبهذا قال فقد حرم الشافعي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر مستشهدا على ذلك بنص القاضي على أنه لا يبيعها لكافر ولا يستكري وقف الكنيسة وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم قال : قال أحمد في أثناء المسألة : القاضي
فإن قيل أليس قد أجاز إجارتها من أهل الذمة مع علمهم بأنهم يفعلون ذلك فيها قيل المنقول عن أحمد أنه حكى قول أحمد وعجب منه وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي ، وظاهر رواية ابن عون الأثرم جواز ذلك فإن إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين . وإبراهيم بن الحارث
والفرق بين البيع والإجارة أن ما في الإجارة من مفسدة الأمانة فقد عارضه مصلحة أخرى وهو مصرف إرغاب المطالبة بالكراء عن المسلم وأنزل ذلك بالكفار ، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية فإنه وإن كان إقرارا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز ، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة .
فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه فيصير في المسألة أربعة أقوال ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين ، وأكثر الأصحاب رحمهم الله على أنهم إن ملكوا دارا عالية من مسلم لم يجز نقضها وهدمها وهو يقتضي عدم تحريم البيع وإبطاله والخلاف إنما هو فيما إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة ، فأما إن آجره إياها لأجل ذلك لم يجز ، ولم يصح ذلك عندنا قولا واحدا كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور والله أعلم .