الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3074 56 - حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان، كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، وقود مجامرهم الألوة. قال أبو اليمان: يعني العود، ورشحهم المسك.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 156 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 156 ] هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة، ورواته على هذا النسق قد مروا غير مرة، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.

                                                                                                                                                                                  قوله: " على إثرهم" بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحها أيضا؛ أي الذين يدخلون الجنة عقيب الأولين، والذين يدخلون بعدهم كأشد كوكب إضاءة، وإنما أفرد المضاف إليه؛ ليفيد الاستغراق في هذا النوع من الكوكب، يعني: إذا انقضت كوكبا كوكبا رأيتهم كأشد إضاءة.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): ما الفرق بين هذا وبين التركيب السابق؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): كلاهما مشبهان إلا أن الوجه في الثاني هو الإضاءة فقط، وفي الأول الهيئة والحسن والضوء، كما إذا قلت: إن زيدا ليس بإنسان بل هو في صورة الأسد وشجاعته وجراءته، وهذا التشبيه قريب من الاستعارة المكنية. قوله: " آنيتهم الذهب والفضة" وفي الحديث السابق قال: آنيتهم الذهب، وهنا زاد: الفضة، وفي الأمشاط ذكر بعكس ذلك، فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما، كما ذكرنا هناك، كما في قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله وخصص الذهب; لأنه لعله أكثر من الفضة كنزا، أو لأن الذهب أشرف، أو أن حال الزمرة الأولى خاصة، فآنيتهم كلها من الذهب لشرفهم، وهذا أعم منهم، فتفاوت الأواني بحسب تفاوت أصحابها.

                                                                                                                                                                                  وأما الأمشاط فلا تفاوت بينهم فيها، فلم يذكر الفضة هنا، ولما علم ثمة أن في آنية الزمرة الأولى قد تكون الفضة، فغيرهم بالطريق الأولى، وحقيقة هذه الأحوال لا يعلمها إلا الله تعالى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية