الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3197 كذب أصحاب الحجر الحجر موضع ثمود، وأما حرث حجر حرام، وكل ممنوع فهو حجر محجور، والحجر كل بناء بنيته، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت حجرا كأنه مشتق من محطوم، مثل قتيل من مقتول، ويقال للأنثى من الخيل الحجر، ويقال للعقل حجر وحجى، وأما حجر اليمامة فهو منزل

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قوله: " كذب أصحاب الحجر " أشار به إلى قوله تعالى: ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وفسر الحجر بقوله: "موضع ثمود" وهو ما بين المدينة والشام، وأراد بالمرسلين صالحا وهو وإن كان واحدا فالمراد هو ومن معه من المؤمنين كما قالوا الخبيبون في ابن الزبير وأصحابه، وقيل: كل من كذب واحدا من الرسل فكأنما كذبهم جميعا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأما حرث حجر حرام" أشار به إلى ما في قوله تعالى: وقالوا هذه أنعام وحرث حجر وفسر الحجر بقوله حرام، وكذا فسره أبو عبيدة، وحذف البخاري الفاء من جواب أما وهو قوله "حرام" وهو جائز.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وكل ممنوع فهو حجر محجور" أي كل شيء يمنع فهو حجر أي حرام، ومنه حجر محجور، وأشار به إلى ما في قوله تعالى: ويقولون حجرا محجورا وقال أبو عبيدة: أي حراما محرما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والحجر كل بناء بنيته" بتاء الخطاب في آخره، ويروى " تبنيه" بتاء الخطاب في أوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فهو حجر" إنما دخلت الفاء فيه؛ لأن قوله: "وما حجرت عليه" يتضمن معنى الشرط.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومنه سمي الحطيم" أي ومن قبيل هذه المادة سمي حطيم البيت أي الكعبة حجرا وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول" أراد أن الحطيم بمعنى المحطوم، كما أن القتيل بمعنى المقتول، يعني: فعيل ولكنه بمعنى مفعول، وليس فيه اشتقاق [ ص: 273 ] اصطلاحي، ومعنى محطوم مكسور، وكأن الحطيم سمي به؛ لأنه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه عنها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويقال للأنثى من الخيل الحجر" ويجمع على حجورة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويقال للعقل حجر" كما في قوله تعالى: هل في ذلك قسم لذي حجر أي لذي عقل؛ لأنه يمنع صاحبه من الوقوع في المهالك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وحجى" بكسر الحاء وفتح الجيم مقصور، وهو أيضا من أسماء العقل، ومنه الحجى بمعنى الستر، وفي الحديث: "من بات على ظهر بيت ليس عليه حجى فقد برئت منه الذمة" شبهه بالحجى العقل؛ لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد، ويحفظه من التعرض للهلاك، فكذلك الستر الذي على السطح يمنع الإنسان من التردي والسقوط.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأما حجر اليمامة فهو منزل" يعني أما حجر اليمامة بفتح الحاء فهو اسم منزل ثمود بناحية الشام عند وادي القرى، وهذا ليس له تعلق بما قبله من الألفاظ الستة، ولكنه ذكره استطرادا.

                                                                                                                                                                                  ومن مكسور الحاء غير ما ذكره حجر القميص، وفيه جاء الكسر، والفتح أفصح، ومنه حجر الإنسان، قال ابن فارس: فيه لغتان ويجمع على حجور، وجاء في الحجر الذي بمعنى الحرام الكسر والضم والفتح، وقال الجوهري: الكسر أفصح، والحجر بفتحتين معروف، وهو اسم رجل أيضا، ومنه أوس بن حجر الشاعر، والحجر بفتح الحاء وسكون الجيم مصدر حجر القاضي عليه إذا منعه من التصرف في ماله، وحجر بضم الحاء وسكون الجيم نبت مر، واسم رجل أيضا، وهو حجر الكندي الذي يقال له آكل المرار، وحجر بن عدي الذي يقال له الأدبر.

                                                                                                                                                                                  واعلم أن في بعض النسخ وقع هذا الباب عقيب قوله: باب قول الله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا وقال بعضهم: الصواب إثباته هنا، يعني عقيب قوله: وإلى عاد أخاهم هودا ثم أيد كلامه بما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك، فربما وجدت الورقة في غير موضعها، فنسخت على ما وجدت، فوقع في بعض التراجم إشكال بحسب ذلك، وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد، كما أن عادا بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                  قلت: الاعتماد على هذا الكلام مما يستلزم سوء الترتيب بين الأبواب وعدم المطابقة بين الأحاديث والتراجم مع الاعتناء الشديد في كتب البخاري على ترتيب ما وضعه المصنف في تلك الأيام، ولا يستلزم وقوع قصة ثمود بعد قصة عاد في القرآن لزوم رعاية الترتيب فيه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية