الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3142 119 - حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثني عتبة بن مسلم قال : أخبرني عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ; فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، فإنه لا فرق بينهما غير أنه لم يذكر في الترجمة لفظ ثم لينزعه .

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول : خالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة ، وفي آخره دال أبو الهيثم البجلي الكوفي .

                                                                                                                                                                                  الثاني : سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي .

                                                                                                                                                                                  الثالث : عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ابن مسلم مولى بني تميم المديني .

                                                                                                                                                                                  الرابع : عبيد بن حنين ، كلاهما بالتصغير ، وحنين بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى أبو عبد الله مولى زيد بن الخطاب القرشي العدوي .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الطب ، عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، وأخرجه ابن ماجه في الطب قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا مسلم بن خالد ، عن عتبة بن مسلم عن عبيد بن حنين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فيه ثم ليطرحه ; فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه عن أبي سعيد أيضا وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن أبي سلمة قال : حدثني أبو سعيد أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه ، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي مختصرا ، وروى الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب ، عن سليمان نحوه ، ومن حديث أنس بإسناد ضعيف ، وروى أبو داود أيضا من حديث المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ; فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء ، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فيغمسه كله " ويروى فليغمسه كله .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " إذا وقع الذباب " الذباب جمع ذبابة قاله ابن التين ، وفي المنتهى : الذب بالضم الذباب ، وجمع الذباب ذبان ، ولا تقل ذبانة ، والجمع القليل أذبة كغراب وأغربة وغربان ، وقال أبو هلال العسكري : الذباب واحد ، والجمع ذبان ، والعامة تقول : ذبانة للواحد ، والذبان للجمع وهو خطأ .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حاتم السجستاني تقول : هذا ذباب للواحد وذبابان في التثنية ، ولا يقال : ذبابة ولا ذبانة ، وقال ابن سيده في المحكم : لا يقال ذبابة إلا أن أبا عبيدة رواه عن الأحمر ، والصواب ذباب ، وفي التنزيل : وإن يسلبهم الذباب شيئا فسروه بالواحد ، وحكى سيبويه عن العرب ذب في جمع ذباب ، وقال الجوهري : الذباب معروف ، الواحدة ذبابة ، ولا تقل : ذبانة ، وجمع القلة أذبة ، والكثرة ذبان .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عبيد : أرض مذبة ذات ذباب ، وقال الفراء : أراض مذبوبة كما يقال موحوشة من الوحش ، والمذبة ما يذب به الذباب .

                                                                                                                                                                                  وقال الجاحظ : عمر الذباب أربعون يوما وهو في النار وليس تعذيبا له ، وإنما يعذب به أهل النار ; لوقوعه عليهم ، فإنه لا شيء أضر على المكلوم من وقوعه على كلمه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في شراب أحدكم " : الشراب هنا يدخل فيه كل المائعات ، قال تعالى : يخرج من بطونها شراب قلت : قد ذكرنا آنفا أن في رواية أبي داود : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم " ، والإناء يكون فيه كل شيء من المأكولات والمشروبات ، قوله : " فليغمسه " من غمسه في الماء إذا غطه فيه وأدخله ، وفي رواية ابن ماجه : " فامقلوه فيه " من المقل بالقاف وهو الغمس .

                                                                                                                                                                                  قال أبو عبيد : أي اغمسوه في الطعام أو الشراب ; ليخرج الشفاء كما أخرج الداء ، وذلك بإلهام الله تعالى ، وفي المغرب في الحديث إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء ، هكذا في الأصول ، وأما فامقلوه ثم انقلوه فمصنوع ، قلت في [ ص: 201 ] غالب كتب أصحابنا وقع مثل ما قال ، والصحيح فامقلوه فيه ، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء كما في رواية ابن ماجه وغيره ، وليس فيه ثم انقلوه ، نعم في رواية البخاري ثم لينزعه ، وهو يؤدي معنى فانقلوه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فإن في إحدى جناحيه " الجناح حقيقة للطائر ، وإذا استعمل في غيره يكون بطريق الاستعارة ، قال الله تعالى : واخفض لهما جناح الذل وفي غالب النسخ : فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء بتذكير أحد ، ووجه تأنيثها باعتبار أن جناح الطائر يده ، والتأنيث باعتبار اليد ، قوله : " والأخرى شفاء " الثابت في كثير من النسخ وفي الأخرى بإعادة حرف الجر ، وتركها يدل على جواز العطف على عاملين وهو رأي الأخفش والكوفيين ، فحينئذ تكون الأخرى مجرورا عطفا على في إحدى ، ويكون نصب شفاء مثل نصب داء ، والعامل في إحدى حرف الجر الذي هو لفظ في ، والعامل في داء كلمة إن ، فقد شركت الواو في العطف على العاملين اللذين هما : في ، وإن ، وسيبويه لا يجوز ذلك ، يؤيده رواية إثبات حرف الجر في قوله : " وفي الأخرى " وقيل : يروى شفاء بالرفع ، فعلى هذا يخرج الكلام عن العطف على عاملين ، ولكنه على هذا يحتاج إلى حذف مضاف تقديره : ذو شفاء ; لأن لفظ الآخر أو الأخرى يكون مبتدأ وشفاء خبره ، ولعدم صحة الحمل يقدر المضاف ، وقال أبو محمد المالقي في جامعه : ذباب الناس يتولد من الزبل ، فإن أخذ الذباب الكبير وقطعت رؤوسها ، ويحك بجسدها الشعرة التي في الأجفان حكا شديدا فإنه يبرئه ، وإن سحق الذباب بصفرة البيض سحقا ناعما ، وضمدت بها العين التي فيها اللحم الأحمر من داخل فإنه يسكن في ساعته ، وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن وجعه ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قال الخطابي : ما ملخصه قال بعض الجهلة المعاندين : كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذباب ، وكيف تعلم الذباب ذلك من نفسها حتى تقدم الداء وتؤخر الدواء ، وما أداها إلى ذلك ؟

                                                                                                                                                                                  ورد عليهم بأن عامة الحيوان جمعت فيها بين الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة في أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ، لولا تأليف الله لها ، والذي ألهم النحلة وشبهها من الحيوان إلى بناء البيوت ، وادخار القوت هو الملهم للذباب ما تراه في الكتاب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية