الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3197 47 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الذي عقر الناقة فقال: انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قوة كأبي زمعة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأن عقر الناقة في قصة صالح عليه الصلاة والسلام. والحميدي بضم الحاء المهملة عبد الله بن الزبير بن عيسى، وقد مر غير مرة، وسفيان هو ابن عيينة، وعبد الله بن زمعة بفتح الزاء وسكون الميم وفتحها ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، أمه قريبة بنت أبي أمية ابنة أم سلمة أم المؤمنين، وكان من أشراف قريش، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، يعد في أهل المدينة، وزمعة وأخوه عقيل قتلا يوم بدر كافرين، وأبوهما الأسود كان من المستهزئين، ذكروا أن جبريل عليه الصلاة والسلام ضرب في وجهه بورقة فعمي، وكان لعبد الله ابن يسمى يزيد قتله مسرف بن عقبة صبرا يوم الحرة، وقتل له بنون أيضا يوم الحرة، وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث، وقال أبو عمر: وروى عنه عروة ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                  أحدها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "يضرب أحدكم المرأة ضرب العبد ثم يضاجعها من آخر يومه".

                                                                                                                                                                                  والثاني أنه ذكر الضرطة فوعظهم فيها فقال: "لم يضحك أحدكم مما يفعل".

                                                                                                                                                                                  والثالث حديث الباب، وقد جمع عروة الثلاثة المذكورة في حديث واحد كما يجيء بيانه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري في التفسير أيضا عن موسى بن إسماعيل، وفي الأدب عن علي بن عبد الله، وفي النكاح عن محمد بن يوسف، وأخرجه البخاري هنا بحديث عقر الناقة، وفي الأدب بالحديث الأول [ ص: 274 ] والحديث الثاني، وفي النكاح بالحديث الأول، وأخرجه مسلم في صفة النار عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب، وأخرجه الترمذي في التفسير عن هارون بن إسحاق، وعن عبدة بن سليمان، وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن رافع وهارون بن إسحاق بحديث الباب، وفي عشرة النساء بالحديث الأول، وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة بالحديث الأول.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: "وذكر الذي عقر الناقة" أي ناقة صالح عليه الصلاة والسلام، وقصتها هي أن صالحا لما دعا قومه إلى الله تعالى اقترحوا عليه ناقة؛ لأنهم كانوا أصحاب إبل، وكانت النوق عندهم عزيزة، فقالوا: لتكن الناقة سوداء حالكة عشراء ذات عرف وناصية ووبر، فسأل الله فأوحى إليه: اخرج بهم إلى فضاء من الأرض، فخرجوا فقال: من أين تريدونها؟ فأشاروا إلى صخرة، فقالوا: من هذه، فأشار إليها صالح عليه الصلاة والسلام فقال: اخرجي بإذن الله، فتمخضت تمخض الحامل، وانفجرت عن ناقة كما طلبوا، ثم تلاها فصيل لها، فآمن خلق ممن حضر، منهم ملكهم جندع بن عمرو ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا فنهاهم دؤاب بن عمرو وصاحب أوثانهم، ورئاب بن ضمعر وكان من أشراف ثمود، وفي تاريخ الفربري قالوا لصالح عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة ذات ألوان من أحمر ناصع وأصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق، ويكون نظرها كالبرق الخاطف، ورغاؤها كالرعد القاصف، ويكون طولها مائة ذراع، وعرضها كذلك، ذات ضروع أربعة، فنحلب منها ماء وعسلا ولبنا وخمرا، ويكون لها تبيع على صفتها، وليكن حنينها بتوحيد إلهك والإقرار بنبوتك، فخرجت مثل ما قالوا، فآمن الملك وكذب بعضهم، وكذب أخو الملك صالحا، وملكه ممن لم يؤمن به منهم، والقصة طويلة، فآخر الأمر قالوا: قد ضايقتنا هذه الناقة في الماء والكلأ فأجمعوا على عقرها كما نذكره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "انتدب لها رجل" من ندبه لأمر فانتدب أي دعا له فأجاب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ذو عز ومنعة" بفتح الميم والنون وبالعين المهملة، وقيل بسكون النون وهي القوة وما يمنع به الخصم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في قوة" كذا هو في رواية الكشميهني والسرخسي، وفي رواية الأكثرين في قومه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كأبي زمعة" وهو الأسود بن المطلب وكان ذا عز ومنعة في قومه كعاقر الناقة، والتشبيه في هذا، وعاقر الناقة هو قدار بن سالف، وذكر السهيلي أنه كان ولد زنا وهو أحمر ثمود الذي يضرب به المثل في الشؤم، وكان أحمر أشقر أزرق سناطا قصيرا، وقال الثعلبي اسمه قديرة، وقال الجوهري: اسمه قدار بالدال المهملة وهو الأصح.

                                                                                                                                                                                  وقال وهب: وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فانضاف إليهم قدار فصاروا تسعة، وقال وهب: وكانت الثمانية حاكة، وكان الذي تولى عقرها قدار بن سالف ورماها مصدع بن مهرج، وذكرهم ابن دريد في الوشاح فقال: قدار بن سالف بن جدع. ومصدع بن مهرج بن هزيل بن المحيا. وهزيل بن عنز بن غنم بن ميلع. وسبيع بن مكيف بن سيحان، وعرام بن نهبى بن لقيط. ومهرب بن زهير بن سبيع. وسبيع بن رغام بن ملدع. وعريد بن نجد بن مهان، ورعين بن عمر بن داعر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية