الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3095 75 - حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : أخبرنا عيسى ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سحر النبي - صلى الله عليه وسلم . وقال الليث : كتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه ، عن عائشة قالت : سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ، وما يفعله ، حتى كان ذات يوم دعا ودعا ، ثم قال : أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما للآخر : ما وجع الرجل ، قال : مطبوب ، قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : فيما ذا ؟ قال : في مشط ، ومشاقة ، وجف طلعة ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال : في بئر ذروان ، فخرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم رجع ، فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنها رؤوس الشياطين ، فقلت : استخرجته ، فقال : لا ، أما أنا فقد شفاني الله ، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ، ثم دفنت البئر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه مطابقته للترجمة من حيث إن السحر إنما يتم باستعانة الشيطان على ذلك ، وهي من جملة صفاته القبيحة ، وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي ، يعرف بالصغير ، وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام ، يروي عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب ، عن إبراهيم بن موسى ، عن عيسى . وأخرجه النسائي في الطب عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عيسى بن يونس نحوه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " وقال الليث " هو الليث بن سعد رحمه الله ، هذا التعليق وصله أبو بكر عبد الله بن داود ، عن عيسى بن حماد التجيبي المصري عن الليث . قوله : " ووعاه " أي حفظه . قوله : " يخيل " على صيغة المجهول من تخيل الشيء [ ص: 170 ] كذا ، وليس كذلك ، وأصله الظن . قوله : " ذات يوم " إنما لم يتصرف ; لأن إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم ; لأن معنى كان ذات يوم قطعة من الزمان ذات يوم ، أي صاحبة هذا الاسم . قوله : " أشعرت " أي أعلمت . قوله : " أفتاني " ، ويروى أنبأني ، أي أخبرني . قوله : " مطبوب " أي مسحور ، والطب جاء بمعنى السحر . قوله : " من طبه " أي من سحره . قوله : " في مشط ومشاقة " ؛ المشط فيه لغات ضم الميم وإسكان الشين وضمها أيضا ، وكسر الميم بإسكان الشين ، والمشاقة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة والقاف . وقال الكرماني : ما يغزل من الكتان .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : المشاقة ما يخرج من الكتان حين يمشق ، والمشق جذب الشيء ليمتد ويطول . قوله : " وجف طلعة ذكر " الجف بضم الجيم وتشديد الفاء ، وهو وعاء طلع النخل ، وهو الغشاء الذي يكون عليه ، ويطلق على الذكر والأنثى ، ولهذا قيده بقوله ذكر ، وهو الذي يدعى بالكفري ، وقال ابن فارس : جف الطلع وعاؤها ، يقال : إنه شيء ينثر من جذوع النخل ، وقال الهروي : ويروى في مشط ومشاقة في جف طلعة ، قال : المشاطة الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط ، قال : وجف طلعة أي في جوفها ، وقوله : " ذكر " الذكر من النخل الذي يؤخذ طلعه فيجعل منه في طلع النخلة المثمرة ، فيصير بذلك تمرا ، ولو لم يجعل فيه لكان شيصا لا نوى فيه ، ولا يكاد يساغ . قوله : " في بئر ذروان " بفتح الذال المعجمة وسكون الراء ، ويروى ذي أروان ، وكلاهما صحيح مشهور ، والأول أصح ، وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ، وبالقاف من اليهود . قوله : " كأنها رؤوس الشياطين " قال الخطابي فيه قولان : أحدهما أنها مستدقة كرؤوس الحيات ، والحية يقال لها الشيطان ، والآخر أنها وحشية المنظر سمجة الأشكال وهو مثل في استقباح صورتها وهول منظرها كصورة الشياطين . قوله : " أن يثير ذلك على الناس شرا " يريد في إظهاره ، وقيل : إنما امتنع عن تعيين الساحر لئلا تقوم أنفس المسلمين فيقع بينهم وبين قبيل الساحر فتنة . قوله : " ثم دفنت البئر " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن آثار الفعل الحرام يجب إزالتها ، وقد مر البحث في هذا مستوفى في باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر في أواخر الجهاد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية