الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والعبد بين شريكين لا فطرة على واحد منهما ) لقصور الولاية والمؤنة في حق كل واحد منهما ( وكذا العبيد بين اثنين عند أبي حنيفة رحمه الله ) وقالا على كل واحد منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص [ ص: 288 ] بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق وهما يريانهما ، وقيل : هو بالإجماع لأنه لا يجتمع النصيب قبل القسمة فلم تتم الرقبة لكل واحد منهما ( ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر ) لإطلاق ما روينا ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي } الحديث ولأن السبب قد تحقق والمولى من أهله ، [ ص: 289 ] وفيه خلاف الشافعي رحمه الله لأن الوجوب عنده على العبد ، وهو ليس من أهله ، ولو كان على العكس فلا وجوب بالاتفاق .

التالي السابق


( قوله لقصور الولاية والمؤنة ) يعني أن السبب هو رأس عليه مؤنته ، لأن المفاد بالنص من قوله { ممن تمونون } ممن عليكم مؤنته ، وليس على كل منهما مؤنته ، بل بعضها وبعض الشيء ليس إياه ، ولا سبب إلا هذا فعند انتفائه يبقى على العدم الأصلي لا أن العدم يؤثر شيئا .

( قوله وقالا ) هذا بناء على كون قول أبي يوسف كقول محمد بل الأصح أن قوله مع أبي حنيفة ، ثم أبو حنيفة مر على أصله من عدم جواز قسمة الرقيق جبرا ولم يجتمع لواحد ما يسمى رأسا ، ومحمد مر على أصله من جواز ذلك ، وأبو يوسف مع محمد في القسمة ، ومع أبي حنيفة في صدقة الفطر ، لأن ثبوت القسمة بناء على المالك ، وصدقة الفطر باعتبار المؤنة عن ولاية لا باعتبار الملك ، ولذا تجب عن الوالد ولا ملك ولا تجب عن الآبق مع الملك فيه ، ولو سلم فجواز القسمة ليس علة تامة لثبوتها ، وكلامنا فيما قبلها وقبلها لم يجتمع في ملك أحد رأس كامل .

وقد قيل : إن الوجوب عند محمد على العبد وفيه نظر . فإنه لو كان لم يختلف الحال بين العبيد والعبد الواحد فكان [ ص: 288 ] يجب على سيدي العبد الواحد ، ولا يجب على سيد العبد الكافر ، كقول الشافعي . وعن هذا قيل : هو أعني عدم الوجوب على واحد من الشريكين في العبيد بالإجماع أي بالاتفاق ، ولو كان لهما جارية مشتركة فجاءت بولد فادعياه أو ادعيا لقيطا لا تجب عليهما عن الأم لما قلنا وتجب عن الولد على كل منهما فطرة كاملة عند أبي يوسف لأن البنوة ثابتة من كل منهما كملا إذ ثبوت النسب لا يتجزأ ، ولهذا لو مات أحدهما كان ولدا للباقي منهما .

وقال محمد : عليهما صدقة واحدة لأن الولاية لهما والمؤنة عليهما فكذا الصدقة لأنها قابلة للتجزؤ والمؤنة ، ولو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا أو ميتا فعلى الآخر صدقة تامة عندهما ، ولو كان له عبد آبق أو مأسور أو مغصوب مجحود ولا بينة فحلف للغاصب فعاد الآبق ، ورد المغصوب بعد يوم الفطر كان عليه صدقة ما مضى ، ويؤدي عن عبده المرهون إذا كان فيه وفاء : يعني وله نصاب ، وعن أبي يوسف ليس عليه أن يؤدي حتى يفتكه فإذا افتكه أعطى لما مضى ، ويجب عليه فطرة عبده المستأجر والمأذون ، وإن كان مستغرقا بالدين ، ولا تجب عن عبد عبده المأذون لأنه إذا كان على المأذون دين لا يملك المولى عبده ، وإن لم يكن فهو للتجارة ، فلو اشتراه المأذون للخدمة ولا دين عليه فعلى المولى فطرته ، فإن كان عليه دين فعلى الخلاف في ملك المولى للإكساب وعدمه وفي العبد الموصى بخدمته على مالك الرقبة ، وكذا العبد المستعار الوديعة والجاني عمدا أو خطأ ، وما وقع في شرح الكنز ، والعبد الموصى برقبته لإنسان لا تجب فطرته من سهو القلم ، ولو بيع العبد بيعا فاسدا فمر يوم الفطر قبل قبضه ثم قبضه المشتري وأعتقه فالفطرة على البائع ، وكذا لو مر يوم الفطر وهو مقبوض المشتري ، ثم استرده البائع ، فإن لم يسترده وأعتقه المشتري أو باعه فالصدقة على المشتري لتقرر ملكه .

( قوله لإطلاق ما روينا ) استدل [ ص: 289 ] بأمرين ثانيهما ضعيف عند أهل النقل فيبقى الأول سالما ، أما الحديث ، فهو ما رواه الدارقطني عن ابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام { أدوا صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر أو أنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير } وهو ضعيف بل عد في الموضوعات من قبل سلام الطويل فإنه متروك مرمي بالوضع وقد تفرد بهذه الزيادة ولفظه مجوسي لم تعلم مروية ، وأما الآخر فإن الإطلاق في العبد في الصحيح يوجبها في الكافر والتقييد في الصحيح أيضا بقوله من المسلمين لا يعارضه لما عرف من عدم حمل المطلق على المقيد في الأسباب لأنه تزاحم فيها فيمكن بهما فيكون كل من المقيد والمطلق سببا بخلاف ورودهما في حكم واحد ، وكل من قال بأن إفراد فرد من العام لا يوجب التخصيص يلزمه أن يقول إن تعليق حكم بمطلق ثم تعليقه بعينه بمقيد لا يوجب ذلك المطلق بأدنى تأمل ، نعم إذا لم يمكن العمل بهما صير إليه ضرورة .




الخدمات العلمية