الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وصلى ركعتين لما روى جابر رضي الله تعالى عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه قال وقال : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني } ) لأن أداءها في أزمنة متفرقة وأماكن متباينة فلا يعرى عن المشقة عادة فيسأل التيسير ، وفي الصلاة لم يذكر مثل هذا الدعاء لأن مدتها يسيرة وأداءها عادة متيسر . قال ( ثم يلبي عقيب صلاته ) [ ص: 433 ] لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام لبى في دبر صلاته } . وإن لبى بعدما استوت به راحلته جاز ، ولكن الأول أفضل لما روينا

التالي السابق


( قوله لما روى جابر المعروف عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد ذي الحليفة } ) ولم يذكر عددا . لكن في مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما { كان عليه الصلاة والسلام يركع بذي الحليفة ركعتين } .

وأخرج أبو داود عن ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا ، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه } ورواه الحاكم وصححه ولا يصليهما في الوقت المكروه ، وتجزئ المكتوبة عنهما كتحية المسجد ، وعن أنس [ ص: 433 ] رضي الله عنه : { أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر ثم ركب على راحلته } ( قوله والأول أفضل ) أي التلبية دبر الصلاة ( لما روينا ) من { أنه عليه الصلاة والسلام لبى في دبر صلاته } اعلم أنه اختلفت الروايات في إهلاله عليه الصلاة والسلام ، وروايات { أنه عليه الصلاة والسلام لبى بعدما استوت به راحلته } أكثر وأصح . في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما { أنه عليه الصلاة والسلام أهل حين استوت به راحلته قائمة } وفي لفظ لمسلم { كان عليه الصلاة والسلام إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة } وفي لفظ لمسلم أيضا { عن ابن عمر رضي الله عنهما لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته } مختصرا .

وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه { صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل } وكذا هو ظاهر حديث جابر الطويل المتقدم . وأخرجه البخاري أيضا في حديث آخر ، وأخرج مسلم عن ابن عباس وفيه { ثم ركب راحلته ، فلما استوت على البيداء أهل بالحج } فهذه تفيد ما سمعت .

وأخرج الترمذي والنسائي عن عبد السلام بن حرب حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دبر الصلاة } وقال : حديث حسن غريب لا يعرف أحد رواه غير عبد السلام بن حرب . قال في الإمام . وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان وخصيف .

قال ابن حبان في كتاب الضعفاء : كان فقيها صالحا إلا أنه كان يخطئ كثيرا . والإنصاف فيه قبول ما وافق فيه الإثبات ، وترك ما لم يتابع عليه ، وأنا أستخير الله في إدخاله في الثقات ، ولذلك احتج به جماعة من أئمتنا وتركه آخرون .

وحاصل هذا الكلام أن الحديث حسن ، فإن أمكن الجمع جمع وإلا ترجح ما قبله ، وقد أمكن بل وقع فيما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق عن خصيف { عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله حين أوجب ، فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة ، فمن هناك اختلفوا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب ، فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعناه حين استقلت به ناقته ، ثم مضى عليه الصلاة والسلام فلما علا على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك أقوام فقالوا : إنما أهل حين علا على شرف البيداء ، وايم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل [ ص: 434 ] حين استقلت به ناقته ، وأهل حين علا على شرف البيداء } ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ا هـ .

وأنت علمت ما في ابن إسحاق في أوائل الكتاب ، وصححنا توثيقه ، وما في خصيف آنفا وإنما جعله الحاكم على شرط مسلم لما عرف من أن مسلما قد يخرج عمن لم يسلم من غوائل الجرح . والحق أن الحديث حسن فيجب اعتباره وبه يقع الجمع ويزول الإشكال




الخدمات العلمية