الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ويشترط لملك الرجوع سبعة شروط وذكرها بقوله ( بشرط أن يكون المفلس حيا إلى حين أخذه ) أي المبيع ونحوه لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا ، فوجد متاعه بعينه ; فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء } رواه مالك وأبو داود مرسلا ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن أبي بكر عن أبي هريرة قال أبو داود وحديث مالك أصح فعلى هذا : إذا مات المشتري فالبائع أسوة الغرماء ، وسواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات ، أو مات فتبين فلسه لأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة أشبه ما لو باعه .

                                                                                                                      والشرط الثاني ذكره بقوله ( ولم ينقد ) المفلس ( من ثمن المبيع ) ونحوه ( شيئا ، ولا أبرأه ) البائع ( من بعضه ) فإن أدى بعض الثمن أو الأجرة ، أو القرض ، أو السلم ونحوه ، أو أبرئ منه فهو أسوة الغرماء في الباقي أو نحوه ، لما تقدم من الحديث ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا له .

                                                                                                                      ( و ) الشرط الثالث كون ( السلعة بحالها و ) الشرط الرابع [ ص: 427 ] كونها ( لم يزل ملكه عن بعضها بتلف ولا غيره ) من بيع أو هبة ونحوهما .

                                                                                                                      ( فإن تلف جزء منها ) أي السلعة ( ك ) قطع ( بعض أطراف العبد ) أو الأمة ( أو ذهبت عينه أو جرح جرحا ) تنقص به قيمته ( أو وطئت البكر ، أو تلف بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ونحوه لم يكن للبائع الرجوع ) في العين ويكون أسوة الغرماء لما تقدم .

                                                                                                                      ( وإن باع ) المشتري ( بعض المبيع ، أو وهبه أو وقفه فكتلفه ) فيمنع الرجوع ( هذا إن كانت ) السلعة ( عينا واحدة في مبيع وإن كانت عينين كعبدين ونحوهما ) كثوبين .

                                                                                                                      ( وبقي واحدة ) وتلفت الأخرى ( رجع فيها ) أي الباقية لأنه وجدها بعينها فيدخل في العموم فيأخذها بقسطها من الثمن ، ويفرق بين هذه وبين ما إذا قبض بعض الثمن لأن المقبوض من الثمن يقسط على المبيع فيقع القبض من ثمن كل واحدة من العينين وقبض شيء من ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له ، بخلاف التلف فإنه لا يلزم من تلف إحدى العينين تلف شيء من العين الأخرى .

                                                                                                                      ( و ) معنى كون السلعة بحالها بأن ( لم تتغير صفاتها بما يزيل اسمها كنسج غزل وخبز دقيق وعمل زيت صابونا ، وقطع ثوب قميصا ، ونجر خشب أبوابا ) أو رفوفا ( وعمل شريط إبرا ) وعمل حديد مسامير ونحوها ، ونحاس صحونا ونحوها .

                                                                                                                      ( وطحن حب ) من بر أو نحوه ( أو ) كان ( حبا فصار زرعا أو عكسه ) بأن اشترى زرعا فحصده وصار حبا ( أو ) كان ( نوى ) فغرسه ( فنبت شجرا ، أو ) كان ( بيضا فصار فراخا ) ونحو ذلك فيمنع الرجوع ويكون ربها أسوة الغرماء ، لأنه لم يجد متاعه بعينه .

                                                                                                                      ( و ) بأن ( لم يخلطها بما لا تتميز ) منه فلو كانت زيتا فخلطه بنحو زيت ، أو قمحا فخلطه بقمح فلا رجوع وقوله من أدرك متاعه بعينه " أي قدر عليه وتمكن من أخذه .

                                                                                                                      ( و ) الشرط الخامس : كون السلعة ( لم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية بأن يشتري ) شقصا مشفوعا ثم يفلس أو يشتري ( عبدا ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته ) فلا رجوع للبائع ويكون أسوة الغرماء لسبق حق الشفيع لكونه ثبت بالبيع والبائع ثبت حقه بالحجر ولأن حق المجني عليه مقدم على الرهن المقدم على حق البائع فمنع بالأولى ( فإن أبرأ الغريم ) المشتري ( من ) أرش ( الجناية فللبائع الرجوع ) لأنه وجد متاعه بعينه لم يتعلق به حق لغيره .

                                                                                                                      ( وكذا لو أسقط الشفيع ) حقه من الشفعة ( أو ) أسقط ( المرتهن حقه ) من الرهن فللبائع ونحوه الرجوع ، لما [ ص: 428 ] تقدم ( أو رهن ) بالجر عطف على شفعة فإن رهنه المشتري ثم أفلس فلا رجوع للبائع لسبق حق المرتهن ( ونحوه ) أي نحو الرهن كالعتق قاله في المبدع فلو اشترى عبدا وأعتقه ، ثم حجر عليه فالبائع أسوة الغرماء .

                                                                                                                      والحكم صحيح لكن منع الرجوع لزوال ملكه عن العتق ، لا لتعلق حق الغير به ويمكن تمثيله بالإجارة ، بأن اشترى عبدا ثم أجره ثم أفلس ( لكن إن كان الرهن أكثر من الدين ) وأخذ الدائن دينه منه ( فما فضل منه رد على المال ) ليقسم معه بين سائر الغرماء كما يأتي .

                                                                                                                      ( وليس لبائعه الرجوع في الفاضل ) منه لما تقدم ( وإن كان المبيع عينين فرهن ) المشتري ( إحداهما ) أو تعلق بها حق شفعة أو جناية ( ملك البائع الرجوع في ) العين ( الأخرى ، كما إذا تلفت إحدى العينين ) وبقيت الأخرى لأنه وجدها بعينها لم يتعلق بها حق لأحد .

                                                                                                                      ( ولو مات الراهن وضاقت تركته عن الديون ، قدم المرتهن برهنه ) فيأخذ دينه منه مقدما على سائر الغرماء لتعلق حقه به .

                                                                                                                      فإن بقي من ثمنه شيء رد عليهم وإن بقي له شيء حاصصهم به وتقدم ( ولو رهن ) المشتري ( بعض العبد ) ونحوه ( لم يكن للبائع الرجوع في باقيه ) كما لو تلف لأن تبعيض الصفقة ضرر بالمشتري .

                                                                                                                      ( ولم يكن ) المبيع ( صيدا والبائع محرم ) إذ لا يدخل الصيد في ملك المحرم ابتداء بغير إرث ( فلا يأخذه ) البائع المحرم ( حال إحرامه ) ولا يباع مع باقي ماله ، بل يؤخر له إلى أن يحل من إحرامه فيأخذه .

                                                                                                                      ( و ) الشرط السادس كون السلعة ( لم تزد زيادة متصلة ، كسمن وكبر ، وتعلم صنعة و ) تعلم ( كتابة و ) تعلم ( قرآن و تجدد حمل إلا إن ولدت ) فهو زيادة متصلة ( فإن وجد شيء من ذلك ) أي مما ذكر من السمن وما عطف عليه ونحوه ( منع الرجوع ) لأنه فسخ بسبب حادث فلم يملك الرجوع في عين المال الزائد زيادة منفصلة كفسخ النكاح بالإعسار أو الرضاع إذا زاد الصداق كذلك لا رجوع للزوج بعينه بل ببدله ولأنها زيادة في ملك المفلس فلم يستحق أخذها وفارق الرد بالعيب ، لأن الفسخ من المشتري وهو راض بإسقاط حقه من الزيادة و لأن الفسخ للعيب لمعنى قارن العقد ، وهو العيب والفسخ هنا لسبب حادث والخبر محمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد ( ووطء الثيب ما لم تحمل ، وتزويج الأمة لا يمنع الرجوع ) لأن ذلك لا يخرجه عن كونه عين ماله ( وهي ) أي الأمة التي زوجها المفلس ( على نكاحها ) فلا ينفسخ برجوع البائع لأنه عقد لازم ( ويشترط [ ص: 429 ] أيضا أن يكون البائع حيا ) إلى حين الرجوع وهو الشرط السابع .

                                                                                                                      قال في الترغيب والرعاية الكبرى : ولربه دون ورثته على الأصح أخذه وقدمه في الرعاية الصغرى ، والفائق ، والزركشي ، والتلخيص وظاهر كلامه في المقنع والمنتهى : لا يشترط ولورثته أخذ السلعة ، كما لو كان صاحبها حيا قال في الإنصاف : وهو صحيح وظاهر ما قدمه في الفروع وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، لعدم اشتراطهم ذلك قال في المبدع : والأصح أنه يثبت لهم .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية