الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عزل مسلمة عن العراق وخراسان وولاية ابن هبيرة

وكان سبب ذلك أنه ولي العراق وخراسان ، فلم يرفع من الخراج شيئا ، واستحيا يزيد بن عبد الملك أن يعزله فكتب إليه : استخلف على عملك وأقبل .

وقيل إن مسلمة شاور عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى يزيد ليزوره . قال : أمن شوق إليه ؟ إن عهدك منه لقريب . قال : لا بد من ذلك . قال : إذا لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه . فسار مسلمة فلقيه عمر بن هبيرة الفزاري بالعراق على دواب البريد ، فسأله عن مقدمه ، فقال عمر : وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب .

فلما خرج من عنده أحضر مسلمة عبد العزيز بن حاتم ، وأخبره خبر ابن هبيرة ، فقال : قد قلت لك . قال مسلمة : فإنه جاء لحيازة أموال آل المهلب . قال : هذا أعجب من الأول ، يكون ابن هبيرة على الجزيرة ، فيعزل عنها ، ويبعث لحيازة أموال بني المهلب ، ولم يكتب معه إليك كتاب ! فلم يلبث حتى أتاه عزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم ، فقال الفرزدق :


راحت بمسلمة البغال عشية فارعي فزارة لا هناك المرتع     عزل ابن بشر وابن عمرو قبله
وأخو هراة لمثلها يتوقع

يعني بابن بشر : عبد الملك بن بشر بن مروان ، وبابن عمرو : محمدا ذا الشامة ، وبأخي هراة : سعيد خذينة .

( وأما ابتداء أمر ابن هبيرة حتى ولي العراق ) ، فإنه قدم من البادية من بني فزارة ، فافترض مع بعض ولاة الحرب ، وكان يقول : لأرجو أن لا تنقضي الأيام حتى ألي العراق . وسار مع عمرو بن معاوية العقيلي إلى غزو الروم ، فأتي بفرس رائع ، إلا أنه [ ص: 145 ] لا يستطاع ركوبه ، فقال : من ركبه فهو له ، فقام عمر بن هبيرة وتنحى عن الفرس ، وأقبل حتى إذا كان بحيث تناله رجلا الفرس إذا رمحه وثب فصار على سرجه ، فأخذ الفرس .

فلما خلع مطرف بن المغيرة بن شعبة الحجاج سار عمر بن هبيرة في الجيش الذين حاربوه من الري ، فلما التقى العسكران التحق ابن هبيرة بمطرف مظهرا أنه معه ، فلما جال الناس كان ممن قتله وأخذ رأسه ، وقيل قتله غيره وأخذ هو رأسه ، وأتى به عديا ، فأعطاه مالا ، وأوفده إلى الحجاج بالرأس ، فسيره الحجاج إلى عبد الملك ، فأقطعه ببرزة ، وهي قرية بدمشق ، وعاد إلى الحجاج ، فوجهه إلى كردم بن مرثد الفزاري ليخلص منه مالا ، فأخذه منه وهرب إلى عبد الملك وقال : أنا عائذ بالله وبأمير المؤمنين من الحجاج ، فإنني قتلت ابن عمه مطرف بن المغيرة ، وأتيت أمير المؤمنين برأسه ، ثم رجعت فأراد قتلي ، ولست آمن أن ينسبني إلى أمر يكون فيه هلاكي . فقال : أنت في جواري . فأقام عنده ، فكتب فيه الحجاج إلى عبد الملك يذكر أخذه المال وهربه ، فقال له : أمسك عنه .

وتزوج بعض ولد عبد الملك بنتا للحجاج ، فكان ابن هبيرة يهدي لها ، ويبرها ، وييسر عليها ، فكتبت إلى أبيها تثني عليه ، فكتب إليه الحجاج يأمره أن ينزل به حاجاته ، وعظم شأنه بالشام . فلما استخلف عمر بن عبد العزيز ، استعمله على الجزيرة ، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ورأى ابن هبيرة تحكم حبابة عليه تابع هداياه إليه وإلى يزيد بن عبد الملك ، فعملت له في ولاية العراق ، فولاه يزيد .

وكان ابن هبيرة بينه وبين القعقاع بن خليد العبسي تحاسد ، فقال القعقاع : من يطيق ابن هبيرة ، حبابة بالليل ، وهداياه بالنهار ! فلما ماتت حبابة ، قال القعقاع :


هلم فقد ماتت حبابة سامني     بنفسك يقدمك الذرى والكواهل
أغرك إن كانت حبابة مرة تميحك ،     فانظر كيف ما أنت فاعل

في أبيات . وكان بينه وبين القعقاع يوما كلام ، فقال له القعقاع : يابن اللخناء من قدمك ؟ فقال : قدمك أنت وأهلك أعجاز الغواني ، وقدمني صدور العوالي . فسكت القعقاع . يعني أن عبد الملك قدمهم لما تزوج إليهم فإن أم الوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان عبسية .

التالي السابق


الخدمات العلمية