الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        ( المسألة ) السادسة : يدخل في الوصية للفقراء المساكين ، فيجوز الصرف إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ، وكذلك يدخل في الوصية للمساكين الفقراء ، ويجوز الصرف إلى الصنفين ; لأن كل واحد من الاسمين يقع على الفريقين عند الانفراد .

                                                                                                                                                                        وفي قول : ما أوصى به للفقراء ، لا يصرف إلى المساكين ، ويجوز عكسه ، رواه عصام بن يوسف عن الشافعي رضي الله عنه ، والمشهور الأول .

                                                                                                                                                                        ولو جمع بينهما ، فأوصى للفقراء والمساكين ، وجب الجمع بينهما ، كما في الزكاة .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى لسبيل الله ، أو قال : ضعوا ثلثي في سبيل الله ، فهو للغزاة المساكين المستحقين للزكاة .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى للرقاب ، أو قال : ضعوا ثلثي في الرقاب ، فللمكاتبين .

                                                                                                                                                                        فإن دفع إلى مكاتب ، فعاد إلى الرق ، والمال باق في [ يده أو في ] يد سيده ، استرد .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى للغارمين أو لابن السبيل ، فلمن تصرف إليه الزكاة منهم .

                                                                                                                                                                        وبالجملة فالحكم في هذه المسائل كما في الزكاة ، أخذا بعرف الشرع فيها .

                                                                                                                                                                        حتى إذا أوصى للفقراء والمساكين ، جعل المال بين الصنفين نصفين .

                                                                                                                                                                        ولا يجعل على عدد رؤوسهم ، بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد ، وبني عمرو .

                                                                                                                                                                        ولا يجب أيضا الاستيعاب ، بل يكفي الصرف إلى الثلاثة من كل صنف .

                                                                                                                                                                        ولا تجب التسوية بين الثلاثة .

                                                                                                                                                                        ولو دفع إلى اثنين ، غرم ، إما الثلث ، وإما أقل ما يتمول كما سبق في " قسم الصدقات " .

                                                                                                                                                                        ثم ليس له دفع ما يغرمه إلى ثالث ، بل يسلمه إلى القاضي ليدفعه بنفسه ، أو يرده إليه ويأتمنه بالدفع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 171 ] فرع : الوصية للعلماء وسائر الموصوفين ، كالوصية لأصناف الزكاة في أنه لا يجب الاستيعاب ، ويقتصر على ثلاثة ، والأفضل استيعاب الموجودين عند الإمكان .

                                                                                                                                                                        كما في الزكاة .

                                                                                                                                                                        فرع : لو أوصى لفقراء بلد بعينه ، وهم عدد محصورون ، اشترط استيعابهم والتسوية بينهم ؛ لتعينهم .

                                                                                                                                                                        بل يشترط القبول في هذه الوصية ، بخلاف الوصية لمطلق الفقراء .

                                                                                                                                                                        ذكره صاحب التهذيب وغيره .

                                                                                                                                                                        وفي جواز نقل ما أوصى به للفقراء أو المساكين من بلد إلى بلد ، خلاف سبق في قسم الصدقات ، والمذهب الجواز .

                                                                                                                                                                        فإذا قلنا : لا يجوز ، وجب أن يكون قوله : أوصيت للفقراء - وفقراء البلد محصورون - كقوله : أوصيت لفقراء هذه البلدة - وهم محصورون - ، ويدل عليه أن الأستاذ أبا منصور ذكر في الوصية للغارمين ، أنه يعطى لثلاثة منهم إن كانوا غير محصورين ، فإن كانوا محصورين ، استوعبوا .

                                                                                                                                                                        فإن اقتصر الوصي على ثلاثة ، فهل يجزئه ، أم يضمن حصة الباقين ؟ فيه جوابان .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا بالثاني ، فالحساب على قدر ديونهم ، أم على رؤوسهم ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح المعتمد ما قاله الأصحاب ، وهو ما سبق .

                                                                                                                                                                        والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 172 ] فرع : لو أوصى لثلاثة معينين ، وجب التسوية بينهم ، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء وسائر الأصناف ، لأنا عرفنا ذلك من معهود الشرع في الزكاة ، والاستحقاق هنا مضاف إلى أعيانهم .

                                                                                                                                                                        فرع [ لو ] أوصى لسبيل البر ، أو الخير ، أو الثواب ، فعلى ما ذكرناه في الوقف .

                                                                                                                                                                        فرع : لو قال : ضع ثلثي حيث رأيت ، أو فيما أراك الله ، ليس له وضعه في نفسه ، كما لو قال : بع ، لا يبيع لنفسه .

                                                                                                                                                                        والأولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه ، ثم إلى محارمه من الرضاع ، ثم إلى جيرانه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية