الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك ، صدق بيمينه . فإن مات قبل الحلف ، ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه . وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه ، لم يقبل إلا ببينة . وتفصيله بصور .

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا مات المالك ، لزم المودع الرد على ورثته . حتى لو تلف في يده [ ص: 347 ] بعد التمكن من الرد ، ضمن على الأصح . فإن لم يجد الورثة ، رد إلى الحاكم . وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة ، أما إذ علموا ، فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم .

                                                                                                                                                                        ولو طالبه الوارث فقال : رددته على المالك ، أو تلف في يدي في حياته ، صدق بيمينه . وإن قال : رددته عليك ، فأنكر ، فالمصدق الوارث . وإن قال : تلف في يدي قبل تمكني من الرد ، فهل المصدق الوارث كدعوى الرد ؟ أم المودع ؛ لأن الأصل براءته ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن يكون الثاني أصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ الصورة ] الثانية : مات المودع ، فعلى وارثه ردها . فإن تلفت في يده بعد التمكن ، ضمن على الأصح . فإن كان المالك غائبا ، سلمها إلى الحاكم . فلو تنازعا ، فقال وارث المودع : رد عليك مورثي ، أو تلفت في يده ، قال المتولي : لم يقبل إلا ببينة . وقال البغوي : يصدق بيمينه ، وهو الوجه ؛ لأن الأصل عدم حصولها في يده . ولو قال : رددتها عليك ، فالمصدق المالك . ولو قال : تلفت في يدي قبل التمكن ، فعلى الوجهين .

                                                                                                                                                                        [ الصورة ] الثالثة : [ لو ] قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره : رددت على المالك ، وادعاه الملتقط ، لم يصدق إلا ببينة .

                                                                                                                                                                        [ الصورة ] الرابعة : إذا أراد المودع سفرا ، فأودعها أمينا ، فادعى الأمين تلفها ، صدق . وإن ادعى الرد على المالك ، لم يقبل ؛ لأنه لم يأتمنه . وإن ادعى الرد على المودع ، صدق ؛ لأنه أمينه . كذا ذكره الغزالي والمتولي ، وهذا ذهاب إلى أن للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها ، وبه صرح العبادي وغيره . وحكي عن الإمام أن اللائق بمذهب الشافعي - رحمه الله - ، منعه من الاسترداد ، بخلاف المودع يسترد من الغاصب [ ص: 348 ] على وجه ؛ لأنه من الحفظ المأمور به . ولو كان المالك عين أمينا فقال : إذا سافرت فاجعلها عند فلان ، ففعل ، فالحكم بالعكس ، إن ادعى الرد على المالك ، صدق . وإن ادعاه على المودع الأول ، لم يصدق .

                                                                                                                                                                        [ الصورة ] الخامسة : قال المودع للمالك : أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك ، فللمالك أحوال :

                                                                                                                                                                        أحدها : ينكر الإذن ، فيصدق بيمينه . فإذا حلف ، نظر ، إن كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية ، ردها على المالك . فإن غاب المدفوع إليه ، فللمالك تغريم المودع . فإذا قدم ، أخذها وردها على المالك واسترد البدل ، وإن كانت تالفة ، فللمالك تغريم أيهم شاء ، وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن المالك ظالم بما أخذ . وإن كان فلان منكرا ، صدق بيمينه ، واختص الغرم بالمودع .

                                                                                                                                                                        [ الحالة ] الثانية : يعترف بالإذن وينكر الدفع ، فوجهان : أحدهما : يصدق المودع وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك ، وأصحهما : تصديق المالك ؛ لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه .

                                                                                                                                                                        ولو وافق فلان المودع وقال : تلفت في يدي ، لم يقبل قوله على المالك ، بل يحلف المالك ويغرم المودع .

                                                                                                                                                                        [ الحالة ] الثالثة : يعترف بالإذن والدفع معا ، لكنه يقول : لم تشهد ، والمدفوع إليه منكر ، فيبنى على وجوب الإشهاد على الإيداع . فإن لم نوجبه ، فليس له تغريمه . وإن أوجبناه ، فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة .

                                                                                                                                                                        ولو اتفقوا جميعا على الدفع إلى الأمين ، وادعى الأمين ردها على المالك ، أو تلفها في يده ، صدق بيمينه . هذا إذا عين المالك الأمين ، أما لو قال : أودعها أمينا ، ولم يعينه ، فادعى الأمين التلف ، صدق . وإن ادعى الرد على المالك ، فالمصدق المالك ؛ لأنه لم يأتمنه ، كذا ذكروه . ولو قيل : أمين أمينه أمينه ، كما تقول على رأي : وكيل وكيله وكيله ، لم يبعد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 349 ] قلت : بل هو بعيد ، والفرق ظاهر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية