الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : أوصى لدابة غيره ، وقصد تمليكها ، أو أطلق . قال الأصحاب : الوصية باطلة ; لأن مطلق اللفظ للتمليك ، والدابة لا تملك . وفرقوا بينه وبين الوصية المطلقة للعبد ، بأن العبد تنتظم مخاطبته ، ويتأتى منه القبول ، وربما عتق قبل موت الموصي ، فثبت له الملك . وقد سبق في الوقف المطلق عليها وجهان في كونه وقفا على مالكها ، فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف . وقد يفرق بأن الوصية تمليك محض ، فينبغي أن تضاف إلى من تملك .

                                                                                                                                                                        قلت : الفرق أصح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو فسر بالصرف في علفها صحت ; لأن علفها على مالكها ، فالقصد بهذه الوصية المالك . هذا هو ظاهر المنقول ، وبه قطع الغزالي ، والبغوي ، وغيرهما . [ ص: 106 ] ويحتمل طرد خلاف سبق في مثله في الوقف . فعلى الصحة في اشتراط قبول المالك وجهان : اختيار أبي زيد : لا يشترط ، ويجعل وصية للدابة . والأصح : الاشتراط ، وبه قطع صاحب " التلخيص " كسائر الوصايا . وهي وصية لمالكها ، كما لو أوصى لعمارة داره ، فعلى هذا ، يتعين صرفه إلى جهة الدابة على الأصح . وبه قطع صاحب " التلخيص " رعاية لغرض الموصي . فعلى هذا ، يتولى الإنفاق الوصي . فإن لم يكن ، فالقاضي ، أو من يأمره من المالك أو غيره . قال القفال : لا يتعين ، بل له إمساكه ، وينفق عليها من غيره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو انتقلت الدابة من مالكها إلى غيره ، فقياس كون الوصية للدابة الاستمرار لها . وقياس كونها للمالك اختصاصها بالمنتقل عنه .

                                                                                                                                                                        قلت : بل القياس اختصاصها بالمنتقل إليه ، كما سبق في الوصية للعبد . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أوصى لمسجد وفسر بالصرف في عمارته ومصلحته ، صحت الوصية . وإن أطلق ، فهل تبطل كالوصية للدابة ، أم تصح تنزيلا على الصرف في عمارته ومصلحته عملا بالعرف ؟ وجهان : أصحهما : الثاني ، ويصرفه القيم في الأهم والأصلح باجتهاده . وإن قال : أردت تمليك المسجد ، فقد ذكر بعضهم أن الوصية باطلة . ولك أن تقول : سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا ، وذلك يقتضي صحة الوصية .

                                                                                                                                                                        [ ص: 107 ] قلت : هذا الذي أشار الإمام الرافعي إلى اختياره هو الأفقه والأرجح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية