الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 195 ] قال ( ومن قال لكفيل ضمن له مالا قد برئت إلي من المال رجع الكفيل على المكفول عنه ) معناه بما ضمن له بأمره لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا تكون إلا بالإيفاء ، فيكون هذا إقرارا بالأداء فيرجع ( وإن قال أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه ) لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره وذلك بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء .

ولو قال برئت قال محمد رحمه الله هو مثل الثاني لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء فيثبت الأدنى إذ لا يرجع الكفيل بالشك . وقال أبو يوسف رحمه الله : هو مثل الأول لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب وإليه [ ص: 196 ] الإيفاء دون الإبراء . وقيل في جميع ما ذكرنا إذا كان الطالب حاضرا يرجع في البيان إليه لأنه هو المجمل .

[ ص: 195 ]

التالي السابق


[ ص: 195 ] قوله ومن قال لكفيل ضمن له مالا ) بأمر المكفول عنه ( قد برئت إلي من المال رجع الكفيل على المكفول عنه ) بجميع الدين لأن لفظ إلى لانتهاء الغاية ، والمتكلم وهو رب الدين هو المنتهى في هذا التركيب فلا بد أن يكون ثم مبتدأ وليس إلا الكفيل المخاطب فأفاد التركيب براءة من المال مبتدؤها من الكفيل ومنتهاها صاحب الدين . وهذا معنى الإقرار من رب الدين وبالقبض من الكفيل ، كأنه قال دفعت إلي فلا يرجع على واحد منهما ، ويرجع الكفيل على الأصيل إن كان كفل بأمره والحوالة كالكفالة في هذا . وهنا ثلاثة مسائل : إحداها : هذه ، والثانية : قال : أبرأتك من المال ليس إقرارا بالقبض حتى كان للطالب أن يأخذ الأصيل به ، والثالثة برئت من المال ولم يقل إلي فهذا إقرار بالقبض عند أبي يوسف كقوله برئت إلي .

وعند محمد كقوله أبرأتك إثباتا للأدنى وهو براءة الكفيل [ ص: 196 ] إذ في الزائد عليه شك فلا يثبت . وفرق محمد بين هذا وبين ما لو كتب في الصك برئ الكفيل من الدراهم التي كفل بها فإنه إقرار بالقبض عندهم جميعا كقوله : برئت إلي بقضية العرف فإن العرف بين الناس أن الصك يكتب على الطالب بالبراءة إذا حصلت بالإيفاء ، وإن حصلت بالإبراء لا يكتب الصك عليه فجعلت الكتابة إقرارا بالقبض عرفا ولا عرف عند الإبراء . وأبو يوسف يقول هو مثل برئت إلي لأنه إقرار ببراءة ابتداؤها من المطلوب وهو الكفيل المخاطب . وحاصله إثبات البراءة منه على الخصوص مثل قمت وقعدت ، والبراءة الكائنة منه خاصة كالإيفاء ، بخلاف البراءة بالإبراء فإنها لا تتحقق بفعل الكفيل بل بفعل الطالب فلا تكون حينئذ مضافة إلى الكفيل ، وما قاله محمد إنما يتم إذا كان الاحتمالان متساويين .

واختلف المتأخرون فيما إذا قال المدعى عليه أبرأني المدعي من الدعوى التي يدعي علي ، منهم من قال هو إقرار بالمال كما لو قال : أبرأني من هذا المال الذي ادعاه ، ومنهم من قال لا يكون إقرارا ; لأن الدعوى تكون بحق وبباطل .

ولو قال الكفيل أنت في حل من المال ، فهو كقوله : أبرأتك ; لأن لفظة الحل تستعمل في البراءة كالإبراء دون البراءة بالقبض . قالوا في شروح الجامع الصغير : هذا إذا كان الطالب غائبا ، فأما إذا كان حاضرا يرجع إليه في البيان أنه قبض أو لم يقبض لأن الأصل في الإجمال أن يرجع فيه إلى المجمل في البيان ، والمراد من المجمل هنا ما يحتاج إلى تأمل ويحتمل المجاز وإن كان بعيدا كما يحتمل قوله برئت إلي معنى لأني أبرأتك لا حقيقة المجمل : يعني يرجع إليه إذا كان حاضرا لإزالة الاحتمالات ، خصوصا إن كان العرف من ذلك [ ص: 197 ] اللفظ مشتركا ، منهم من يتكلم به ويقصد ما ذكرنا من القبض ، ومنهم من يقصد الإبراء .




الخدمات العلمية