الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 492 ] ( وإن شهدوا بقصاص ثم رجعوا بعد القتل ضمنوا الدية ولا يقتص منهم ) وقال الشافعي رحمه الله : يقتص منهم لوجود القتل منهم تسبيبا فأشبه المكره بل أولى ، لأن الولي يعان والمكره يمنع . ولنا أن القتل مباشرة لم يوجد ، وكذا تسبيبا [ ص: 493 ] لأن التسبيب ما يفضي إليه غالبا ، وهاهنا لا يفضي لأن العفو مندوب ، بخلاف المكره لأنه يؤثر حياته ظاهرا ، ولأن الفعل الاختياري مما يقطع النسبة ، ثم لا أقل من الشبهة وهي دارئة للقصاص [ ص: 494 ] بخلاف المال لأنه يثبت مع الشبهات والباقي يعرف في المختلف .

التالي السابق


( قوله وإذا شهدا بقصاص ثم رجعا بعد القتل ضمنا الدية ولا يقتص منهما ) وهو مذهب مالك خلافا لأشهب والدية على عاقلة الشهود .

ومذهب أحمد إن قالا أخطأنا ضمنا الدية في مالهما ، وإن قالا تعمدنا اقتص منهما ( وقال الشافعي رحمه الله : يقتص لوجود القتل ) منهما ( تسبيبا فأشبه ) الشاهد ( المكره ) فإنه تسبب بشهادته في قتل الولي ، كما أن المكره تسبب بإكراهه في قتل المكره فيقتل كما يقتل المكره ( بل هو أولى منه لأن ولي القصاص ) بعد الشهادة ( يعان ) على قتل المشهود عليه ولا ينكر عليه أحد ( والمكره ) لا يعان على القتل بإكراهه بل ( يمنع ) وينكر عليه للعلم بأنه محظور عليه ( ولنا أن القتل ) من الشاهد ( لم يوجد ) تسبيبا [ ص: 493 ] لأن التسبيب ما يفضي إليه ) أي إلى ما تسبب فيه ( غالبا ) والشهادة لا تفضي إلى قتل الولي على وجه الغلبة ، وإن أفضت إلى القضاء ، بل كثيرا ما يقع ثم تقف الناس في الصلح على قدر الدية بل على قدر بعضها فلم تفض غالبا إليه بل قد وقد ، فمن الناس من يغلب عليه طلب التشفي ، ومنهم من يغلب عليه العفو بالمال يرى أنه جمع بين ما هو الأحب للشارع وحصول مال ينتفع به فهو جمع بين دنيا وأخرى ، ولا شك أن هذا بالنظر إلى مجرد ذاته ومفهومه يقتضي كثرة وجوده بالنسبة إلى القتل فكيف إذا علم كثرة وقوعه ، وإذا انتفى التسبيب من الشاهد حقيقة انتفى قتله ( بخلاف المكره ) يعني فحالف الولي المكره ( لأن ) الغالب أن ( الإنسان يؤثر حياته ) على حياة غيره فكان المكره بإكراهه مسببا حقيقة حيث ثبت بفعله ما هو المفضي للقتل بسبب الإيثار الطبيعي ، ولا يصح قياس الشاهد عليه لانتفاء الجامع وهو إثبات ما يفضي غالبا إلى الفعل .

ووجه آخر وهو ( أن الفعل الاختياري ) ذي الاختيار الصحيح أعني قتل الولي المعترض بعد الشهادة ( مما يقطع نسبة الفعل ) إلى الشاهد كما عرف فيمن فك إنسان قيده فأبق باختياره وأمثاله ، كمن دفع إنسانا في بئر حفرها غيره تعديا فإنه بدفعه الاختياري انقطعت نسبة التلف إلى الحافر فلا وجود للمسبب مع المباشر مختارا [ ص: 494 ] بخلاف المكره فإنه وإن اعترض فعله الاختياري عن الإكراه لكن اختياره اختيار فاسد للإكراه عليه فكان كلا اختيار ، ولذا لا يصح مع اختياره هذا البيع ولا إجازة بيعه ولا إجارته ونحوها فلم يصلح لقطع نسبة الفعل عن المكره فاعتبر المكره كآلة للمكره قتل بها ذلك القتيل ، على أنه لو لم يقطع الاختيار الصحيح النسبة إلى الشاهد فلا أقل من أن يوجب شبهة في إيجاب القصاص عليه والقصاص يندرئ بالشبهات ( بخلاف المال فإنه يثبت مع الشبهة ) وقوله فأشبه المكره بكسر الراء ، وقوله والمكره يمنع بفتحها ، والمراد بالمختلف مختلف الرواية للفقيه أبي الليث .

وفي شرح الجامع الكبير للعتابي : إذا شهدوا على رجل أنه قتل فلانا خطأ أو عمدا فقضى بذلك وأخذ الولي الدية في الخطإ وقتل القاتل في العمد ثم جاء المشهود بقتله حيا ، فالعاقلة في الخطإ إن شاءوا رجعوا على الآخذ لأنه أخذ بغير حق ولا يرجع هو على أحد ، وإن شاءوا ضمنوا الشهود لأنهم تسببوا للتلف بغير حق وهم يرجعون على الولي لأنهم ملكوا المضمون وهو الدية بأداء الضمان فتبين أن الولي أخذ مالهم .

وفي العمد لا يجب القصاص على الولي ولا على الشهود ، لأن القضاء أورث شبهة لكنه تجب الدية ويخير ورثة المقتول بين أن يضمنوا الولي الدية ولا يرجع هو على أحد ، وبين أن يضمنوا الشاهدين ، وهما لا يرجعان عند أبي حنيفة رحمه الله لأنهم لم يملكوا المضمون وهو الدم لأنه لا يقبل التمليك لأنه ليس مالا ، وعندهما يرجعون بما ضمنوا لأن أداء الضمان انعقد سببا لملك المضمون لكن لم يثبت الملك في المضمون لعدم قبول فيثبت في بدله كمن غصب مدبرا وغصبه آخر ومات في يده وضمن المالك الأول يرجع على الثاني بما ضمن لما قلنا كذا هذا




الخدمات العلمية