الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 342 ] قال ( ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم وديعة فقال المستودع هذا ابن الميت لا وارث له غيره فإنه يدفع المال إليه ) لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث خلافة فصار كما إذا أقر أنه حق المورث وهو حي أصالة ، بخلاف ما إذا أقر لرجل أنه وكيل المودع بالقبض أو أنه اشتراه منه حيث لا يؤمر بالدفع إليه لأنه أقر بقيام حق المودع إذ هو حي فيكون إقرارا على مال الغير ، ولا كذلك بعد موته ، بخلاف المديون إذا أقر بتوكيل غيره بالقبض لأن الديون تقضى بأمثالها فيكون إقرارا على نفسه فيؤمر بالدفع إليه ( فلو قال المودع لآخر هذا ابنه أيضا وقال الأول ليس له ابن غيري قضى بالمال للأول ) لأنه لما صح إقراره للأول انقطع يده عن المال فيكون هذا إقرارا على الأول فلا يصح إقراره للثاني ، كما إذا كان الأول ابنا معروفا ، ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح ، وحين أقر للثاني له مكذب [ ص: 343 ] فلم يصح .

التالي السابق


( قوله ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم ) مثلا ( وديعة فأقر المستودع أنه ابن الميت لا وارث له غيره ) فإن القاضي يقضي عليه بالدفع إليه ( لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث ) ملك له ( خلافة فهو كما إذا أقر أنه حق المورث وهو حي أصالة ، بخلاف ما إذا أقر ) المودع ( لرجل أنه وكيل المودع بالقبض ) أي بقبض الوديعة ( أو أنه اشتراه ) أي اشترى الوديعة التي في يده من المودع ( حيث لا يؤمر بالدفع إليه لأنه أقر بقيام حق المودع ) وملكه في الوديعة الآن ( إذ هو حي فيكون إقرارا على مال الغير ، ولا كذلك بعد موته ) لزوال ملكه فإنه أقر له بملكه لما في يده من غير ثبوت ملك مالك معين فيه للحال وفي فصل الشراء وإن كان قد أقر بزوال ملك المودع لكن لا ينفذ في حق غيره : أعني المالك لأنه لا يملك إبطال ملكه بإقراره فصار كالإقرار بالوكالة بقبض الوديعة ، ثم لو دفع إلى الذي اعترف له بالوكالة بقبض الوديعة هل له أن يستردها ؟ قيل لا لأنه يصير ساعيا في نقض ما تم به .

وقال ظهير الدين كان والدي يتردد في جواب هذه المسألة ، ولو لم يدفع الوديعة للذي أقر له بالوكالة حتى هلكت قيل يضمنها لأنه منعها من وكيل المودع في زعمه فهو كما لو منعها من نفس المودع ، وقيل لا لأنه لم يجب عليه الدفع ( بخلاف المديون إذا أقر لرجل أنه وكيل الدائن بقبض ماله عليه ) فإنه يؤمر بالدفع إليه لأنه غير مقر على مال غيره ( إذا الديون تقضى بأمثالها ) والمثل ملك المقر ( فإنما أقر على نفسه ) حتى يرجع عليه الدائن إذا لم يعترف بالوكالة إذا قدم ( فيؤمر بالدفع . ولو قال المودع لآخر هذا ابنه أيضا وأنكر الابن الأول قضي بالمال للأول ) وحده ( لأنه لما صح إقراره للأول ) على ذلك الوجه ( انقطع يده على المال فيكون إقرارا على ) الغير وهو الابن ( الأول فلا يصح كما لو كان الأول ابنا معروفا ، ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح ، وحين أقر للثاني له مكذب ) وهو [ ص: 343 ] الأول ( فلا يصح ) وهل يضمن للابن الثاني شيئا . قال في غاية البيان : إنه لا يغرم المودع للابن الثاني شيئا بإقراره له لأن استحقاقه لم يثبت فلم يتحقق التلف ، وهذا لأنه لا يلزم من مجرد ثبوت البنوة ثبوت الإرث فلا يكون الإقرار بالبنوة إقرارا بالمال . وفي الدراية والنهاية وغيرهما يضمن المودع نصف ما أدى للابن الثاني الذي أقر له إذا دفع الوديعة بغير قضاء القاضي . وبه قال الشافعي في قول وأحمد في قول ، وفي قول لا يضمن لأن إقراره للثاني صادف ملك الغير فلا يلزم منه شيء . وقال في النهاية : فإن قيل : كان ينبغي أن يضمن المودع للابن الثاني الذي أقر له أنه ابن الميت كما لو بدأ المودع بالإقرار لغير القاضي المعزول الوديعة ثم أقر بتسليم القاضي إليه ، وقد ذكر في أدب القاضي من الكتاب أنه يضمن للقاضي قيمته . قلنا : هنا أيضا يضمن إذا دفع الوديعة إلى الابن الأول بغير قضاء القاضي نصف ما أدى إلى الأول انتهى . وهذا هو الصواب .

واختلف في اللقطة إذا أقر الملتقط بها لرجل هل يؤمر بالدفع إليه ؟ مذكور في اللقطة .

وفي الجامع الصغير : لو ادعى الوصاية وصدقه مودع الميت أو الغاصب منه لا يؤمر بالدفع ، هذا كله في الابن ، فلو أقر المودع لرجل أنه أخو الميت شقيقه وأنه لا وارث له غيره وهو يدعيه أو لمن ادعى وصية بألف مثلا أنه صادق فالقاضي يتأنى في ذلك لأن استحقاق الأخ بشرط عدم الابن ، بخلاف الابن لأنه وارث على كل حال غير أنه احتمل مشاركة غيره وهو موهوم والبنت كالابن وفي الوصية هو مقر على الغير لأنه أقر أنه ليس بخلف عن الميت ، إذا تأنى إن حضر وارث آخر دفع المال إليه لأنه خلف عن الميت وكان القول قوله في الوصية ، وإن لم يحضر وارث آخر أعطى كل مدع ما أقر به لكن بكفيل ثقة ، وإن لم يجد كفيلا أعطاه المال وضمنه إن كان ثقة حتى لا يهلك أمانة ، وإن كان غير ثقة تلوم القاضي حتى يظهر أنه لا وارث للميت ، أو أكبر رأيه ذلك ثم يعطيه المال ويضمنه ، ولم يقدر مدة التلوم بشيء بل موكول إلى رأي القاضي وهذا أشبه بأبي حنيفة وعندهما مقدر بحول ، هكذا حكى الخلاف في الخلاصة عن الأقضية .

قال : وعن أبي يوسف مقدر بشهر ، هذا إذا قال ذو اليد لا وارث له غيره ، فإن قال له وارث ولا أدرى أمات أم لا لا يدفع إلى أحد منهم شيئا لا قبل التلوم ولا بعده حتى يقيم المدعي بينة تقول لا نعلم له وارثا غيره ، وكل من يرث في حال دون حال كالأخ والأب والأم والبنت كالابن ; ولو ادعى أنه أخو الغائب وأنه مات وهو وارثه لا وارث له غيره ، أو ادعى أنه ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه أو كانت امرأة وادعت أنها عمة الميت أو خالته أو بنت أخيه وقال لا وارث له غيري وادعى آخر أنه زوج أو زوجة للميت أو أن الميت أوصى له بجميع ماله [ ص: 344 ] أو ثلثه وصدقهما ذو اليد وقال لا أدري للميت وارثا غيرهما أو لا لم يكن لمدعي الوصية شيء بهذا الإقرار ، ويدفع القاضي إلى الأب والأم والأخ ومولى العتاقة أو العمة أو الخالة أو بنت الأخ إذا انفرد ، أما عند الاجتماع فلا يزاحم مدعي البنوة مدعي الأخوة لكن مدعي هذه الأشياء إذا زاحمه مدعي الزوجية أو الوصية بالكل أو الثلث مستدلا بإقرار ذي اليد فمدعي الأخوة أو البنوة أولى بعدما يستحلف الابن ما هذه زوجة الميت أو موصى له ، هذا إذا لم تكن بينة على الزوجية أو الوصية ، فإن قام أخذ بها ، وهل يؤخذ منه الكفيل ؟ تقدم ، ولو أقر ذو اليد أن الميت أقر أن هذا ابنه أو أبوه أو مولاه أعتقه أو أوصى له بالكل أو ثلثه ، أو أن هذه زوجته فالمال للابن والمولى كما لو عايناه أقر ، بخلاف النكاح وولاء الموالاة والوصية لأن ذا اليد أقر بسبب منتقض




الخدمات العلمية