الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 60 ] قال ( فإن قطعت يد العبد فأخذ أرشها ثم أجاز المولى البيع فالأرش للمشتري ) لأن الملك قد تم له من وقت الشراء ، فتبين أن القطع حصل على ملكه وهذه حجة على محمد ، والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش كالمكاتب إذا قطعت يده وأخذ الأرش ثم رد في الرق يكون الأرش للمولى ، فكذا إذا قطعت يد المشترى في يد المشتري والخيار للبائع ثم أجيز البيع فالأرش للمشتري ، بخلاف الإعتاق [ ص: 61 ] على ما مر . [ ص: 62 ] ( ويتصدق بما زاد على نصف الثمن ) لأنه لم يدخل في ضمانه أو فيه شبهة عدم الملك . قال : فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول [ ص: 63 ] لم يجز البيع الثاني لما ذكرنا ، ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به ، بخلاف الإعتاق عندهما لأنه لا يؤثر فيه الغرر .

التالي السابق


( قوله فإن قطعت يد العبد ) أي عند المشتري من غاصبه . وحاصل وجوه هذه [ ص: 61 ] المسألة المذكورة أن من غصب عبدا فباعه ، فإما أن يعتقه المشتري من الغاصب ثم يجيز المالك بيع الغاصب ، وإما أن لا يعتقه ولكن قطعت يده ونحوه من الجراحات الموجبة للأرش فأخذ أرشها ثم أجاز المالك بيع الغاصب ، وإما أن لا يكون أحد هذين ولكن باعه المشتري من الغاصب ثم أجاز المالك بيع الغاصب وهو الذي يلي هذا الفرع ، وإما أن لا يكون شيء من ذلك ولكن مات في يده أو قتل ثم أجاز ، فهي أربعة فروع تتفرع على إجازة بيع الغاصب : أولها ما إذا أجاز بيع الغاصب بعد عتق المشتري منه وهي التي فرغ منها .

والثاني ما إذا أجاز بيع الغاصب بعد أن جنى على العبد جناية فأخذ أرشها فإن الأرش يستحقه المشتري من الغاصب لأن قطع يده لا يمنع صحة الإجازة إذا لم يفت المعقود عليه بقطعها .

بخلاف موته فإذا لحقته الإجازة ظهر أنه قطع في ملكه فيستحق أرش يده لما ذكرنا من أن البيع موضوع سببا للملك ، بخلاف ما لو قطعت في يد الغاصب ثم أدى الضمان فملك العبد فإنه لا يكون له الزوائد لأن الغصب لم يوضع سببا للملك وإنما يثبت الملك مستندا لوقت الغصب [ ص: 62 ] بطريق الضرورة فيظهر في المتصل لا المنفصل ثم ( يتصدق ) هذا المشتري ( بما زاد ) من أرش اليد ( على نصف الثمن ) لأنه أي ما زاد على نصف الثمن ( لم يدخل في ضمانه ) لما ذكرنا أن اليد من الآدمي نصفه والذي دخل في ضمانه هو ما كان في مقابلة الثمن ، فما زاد على نصف الثمن يكون ربح ما لم يضمن وهذا لأن أرش يد العبد نصف قيمته والحر نصف ديته ، وعسى أن يكون نصف القيمة أكثر من نصف الثمن فلا يطيب له الفضل لأنه إنما دخل في ضمانه بالثمن لا بالقيمة وذكر المصنف وجها آخر وهو أن ( فيه شبهة عدم الملك ) لأن الملك في الأرش يثبت يوم القطع مستندا إلى يوم البيع وهو ثابت من وجه دون وجه وهو شبهة عدم الملك .

وأورد عليه لو وجب التصدق لشبهة عدم الملك في الزوائد ينبغي أن يتصدق بالكل ، لأن في الكل شبهة عدم الملك لعين المذكور في بيان شبهة عدم الملك في الزوائد . ولو قيل شبهة عدم الملك إنما تؤثر المنع مع كونه لم يضمن إلا بانفراده دفع بأن كونه لم يضمن يستقل بالمنع اتفاقا فلا حاجة إلى زيادة شبهة عدم الملك إذ لا تفيد شيئا .

ووزع في الكافي الوجهين فقال : إن لم يكن العبد مقبوضا وأخذ الأرش يكون الزائد على نصف الثمن ربح ما لم يضمن ، لأن العبد قبل القبض لم يدخل في ضمانه ، ولو كان أخذ الأرش بعد القبض ففيه شبهة عدم الملك لأنه غير موجود أي الملك حقيقة وقت القطع ، وإنما ثبت فيه بطريق الاستناد فكان ثابتا من وجه دون وجه . ولو كان المشتري من الغاصب أعتق العبد ثم قطعت يده ثم أجاز المولى بيع الغاصب كان الأرش للعبد ، قال المصنف : وهذه أي هذه المسألة .

وفي بعض النسخ هو ( حجة على محمد ) يعني كون الأرش للمشتري حجة على محمد في عدم تجويزه إعتاق المشتري من الغاصب إذا أجاز المالك بيع الغاصب فإنه إعتاق في ملك موقوف ، وهذا استحقاق أرش مملوك بملك موقوف ( والعذر له ) أي جوابه بالفرق ( بأن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش كالمكاتب ) إذا قطعت يده فأخذ أرشها ثم عجز ف ( رد في الرق فإ ) ن ( الأرش للمولى ) مع أن ملكه فيه حال الكتابة من وجه لا من كل وجه ( وكذا إذا قطعت يد العبد في يد المشتري والخيار للبائع ثم أجاز ) البائع ( البيع ) يكون ( الأرش للمشتري بخلاف الإعتاق على ما مر ) حيث لا يكفي فيه إلا الملك من كل وجه .

والثالث من الفروع ما ذكره بقوله ( فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول ) أي بيع الغاصب [ ص: 63 ] لم يجز البيع ) أي بيع المشتري من الغاصب من الآخر ( لما ذكرنا ) يعني قوله لأن الإجازة تثبت للبائع ملكا باتا إلى آخره ( ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول ) أي بيع الغاصب ( بخلاف الإعتاق عندهما ) أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف ( فإنه ) أي الإعتاق ( لا يؤثر فيه غرر ) الانفساخ بدليل أن المشتري لو أعتق العبد قبل قبضه يجوز ، ولو باعه لا يجوز .

وقد روي عن أبي حنيفة أنه يتوقف البيع كما يتوقف الإعتاق . واستشكل هذا التعليل بأنه شامل لبيع الفضولي مطلقا غاصبا أو غير غاصب ، إذ فيه غرر الانفساخ على تقدير عدم الإجازة ، ومع ذلك ينعقد موقوفا وتلحقه الإجازة .

أجيب بأن هناك معارضا لغرر الانفساخ مرجحا عليه ، وهو ما تقدم من تحقق المصالح المتعدية والقاصرة من غير شائبة ضرر ، وليس مثله ثابتا في البيع الثاني لأنه لم يملكه المشتري الأول حتى يطلب مشتريا آخر فتجرد البيع الثاني عرضة للانفساخ فلم ينعقد أصلا ، وإنما وجب تقديم ذلك المعارض لأنه لو اعتبر مجرد غرر الانفساخ بلا اعتبار النفع لم يصح بيع أصلا ، لأن كل بيع فيه غرر الانفساخ خصوصا في المنقولات لجواز هلاك البيع قبل القبض فينفسخ فالمعتبر مانعا غرر الانفساخ الذي لم يشبه نفعا .

وفرق العتابي بغير هذا بين إعتاق المشتري من الغاصب حيث ينفذ بالإجازة وبين بيع المشتري من الغاصب حيث لا ينفذ بالإجازة بأن العتق منه للملك فهو مقرر للملك حكما ، والمقرر للشيء من حقوقه فجاز أن يتوقف بتوقفه والبيع إزالة له بلا إنهاء فكان ضدا محضا لحكمه فلا يتوقف بتوقفه ولا ينفذ بنفاذه . والدليل على الفرق بينهما أن المشتري إذا أعتق ثم اطلع على عيب يرجع بالنقصان ، ولو باع ثم اطلع على عيب لا يرجع




الخدمات العلمية