الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1349 [ ص: 276 ] 19 - حدثنا عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا أبو النعمان الحكم ، هو ابن عبد الله البصري قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا مرائي ، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم الآية .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن الله لما أنزل آية الصدقة حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها ، فمنهم من تصدق بكثير ، ومنهم من تصدق بقليل ، حتى إن منهم من يعمل بالأجرة فيتصدق منه ، كما فهم ذلك من الحديث ، والترجمة أيضا تدل على الحث على الصدقة وإن كانت شق تمرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول : عبيد الله بن سعيد بن يحيى بن برد بضم الباء الموحدة ، أبو قدامة بضم القاف وتخفيف الدال اليشكري ، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين . الثاني : أبو النعمان الحكم بالحاء والكاف المفتوحتين ابن عبد الله الأنصاري . الثالث : شعبة بن الحجاج . الرابع : سليمان بن مهران الأعمش . الخامس : أبو وائل شقيق بن سلمة . السادس : أبو مسعود ، واسمه عقبة الأنصاري البدري ، وقد مر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : العنعنة في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : القول في موضع واحد .

                                                                                                                                                                                  وفيه : ثلاثة مذكورون بالكنى .

                                                                                                                                                                                  وفيه : اثنان مجردان عن النسبة .

                                                                                                                                                                                  وفيه : رواية التابعي ، عن التابعي ، عن الصحابي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في التفسير ، عن بشر بن خالد ، عن غندر .

                                                                                                                                                                                  وفي الزكاة أيضا ، عن سعيد بن يحيى بن سعيد .

                                                                                                                                                                                  وفي التفسير أيضا ، عن إسحاق بن إبراهيم ، وأخرجه مسلم في الزكاة ، عن يحيى بن معين وبشر بن خالد ، وعن بندار ، وعن إسحاق بن منصور ، وأخرجه النسائي فيه ، عن بشر بن خالد .

                                                                                                                                                                                  وفي التفسير أيضا عنه .

                                                                                                                                                                                  وفي الزكاة أيضا ، عن الحسين بن حريث ، وأخرجه ابن ماجه في الزهد ، عن محمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب كلاهما ، عن أبي أسامة في معناه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " لما نزلت آية الصدقة " ، وهي قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة الآية ، قوله : " كنا نحامل " جواب لما معناه كنا نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية لمسلم : " كنا نحامل على ظهورنا " معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة ، أو نتصدق بها كلها .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : نحامل من باب المفاعلة ، وهي لا تكون إلا بين اثنين .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قد يجيء هذا الباب بمعنى فعل كما في قوله تعالى : وسارعوا إلى مغفرة أي : أسرعوا ، ونحامل كذلك بمعنى نحمل ، وقال صاحب التلويح : قوله " نحامل " قال ابن سيده : تحامل في الأمر تكلفه على مشقة وإعياء ، وتحامل عليه : كلفه ما لا يطيق . وفيه نظر ; لأن هذا المعنى لا يناسب هاهنا ، وفيه : التحريض على الاعتناء بالصدقة ، وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة ، قوله : " فجاء رجل فتصدق بشيء كثير " هو عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - والشيء الكثير كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف .

                                                                                                                                                                                  وفي أسباب النزول للواحدي : حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم شطر ماله يومئذ ، وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن عجلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فلمزهم المنافقون ، فنزلت هذه الآية : الذين يلمزون المطوعين وقال السهيلي في كتابه التعريف والإعلام : أبو عقيل اسمه حبحاب أحد بني أنيف . وقيل : الملموز رفاعة بن سهيل ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا الجريري ، عن أبي السليل قال : وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع ، فقال : حدثني أبي أو عمي أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبقيع ، وهو يقول : من تصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة ؟ قال : فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين ، وأنا أريد أن أتصدق بهما ، فأدركني ما يدرك ابن آدم ، فعقدت على عمامتي ، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا منه ببعير ساقه لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها ، [ ص: 277 ] فقال : يا رسول الله ، أصدقة ؟ قال : نعم ، قال : دونك هذه الناقة ، قال : فلمزه رجل ، فقال : هذا يتصدق بهذه ، فوالله لهي خير منه ، قال : فسمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : كذبت ، بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات ، ثم قال : ويل لأصحاب المئين من الإبل ثلاثا ، قالوا : ألا من يا رسول الله ، قال : ألا من ، قال : بالمال هكذا وهكذا ، وجمع بين كفيه عن يمينه ، وعن شماله ، ثم قال : قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا ، المزهد في العيش والمجهد في العبادة ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام ، فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء ، وقال : إن الله ورسوله لغنيان ، عن هذا الصاع ، وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن موسى بن عبيدة ، حدثني خالد بن يسار ، عن ابن أبي عقيل ، عن أبيه قال : بت أجر الجريد على ظهري على صاعين من تمر ، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يبلغون به وجئت بالآخر أتقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : انثره في الصدقة ، قال : فسخر القوم ، وقال : لقد كان الله غنيا عن صدقة هذا المسكين ! فأنزل الله : الذين يلمزون المطوعين الآية ، قوله : " وجاء رجل " هو أبو عقيل بفتح العين ، وقد ذكرنا اسمه آنفا ، قوله : " فنزلت الذين يلمزون من اللمز ، يقال : لمزه يلمزه ويلمزه : إذا عابه ، وكذلك همزه يهمزه ، ومحل الذين يلمزون نصب بالذم ، أو رفع على الذم ، أو جر بدلا من الضمير في ( سرهم ونجواهم ) قوله : " المطوعين " أصله المتطوعين ، فأبدلت التاء طاء ، وأدغمت الطاء في الطاء ، أي : المتبرعين ، وزعم أبو إسحاق أن الرواية عن ثعلب بتخفيف الطاء وتشديد الواو ، وقال : هذا غير جيد ، والصحيح تشديدها ، وأنكر ذلك ثعلب عليه ، وقال : إنما هو بالتشديد ، قوله والذين لا يجدون إلا جهدهم قال أهل اللغة : الجهد بالضم الطاقة ، والجهد بالنصب المشقة ، وقال الشعبي : الجهد هو القدرة والجهد في العمل ، وتمام الآية قوله : فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم أي : يستهزئون بهم سخر الله منهم يعني : يجازيهم جزاء سخريتهم ، وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين ; لأن الجزاء من جنس العمل ولهم عذاب أليم يعني : وجيع دائم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية