ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33882رحيل صلاح الدين عن الفرنج وتمكنهم من حصر عكا
لما قتل من الفرنج ذلك العدد الكثير ، جافت الأرض من نتن ريحهم ، وفسد الهواء والجو ، وحدث للأمزجة فساد ، وانحرف مزاج
صلاح الدين ، وحدث له قولنج مبرح كان يعتاده ، فحضر عنده الأمراء وأشاروا عليه بالانتقال من ذلك الموضع وترك مضايقة الفرنج ، وحسنوه له .
وقالوا : قد ضيقنا على الفرنج ، ولو أرادوا
[ ص: 75 ] الانفصال عن مكانهم لم يقدروا ، والرأي أننا نبعد عنهم بحيث يتمكنون من الرحيل والعود فإن رحلوا ، وهو ظاهر الأمر ، فقد كفينا شرهم وكفوا شرنا ، وإن أقاموا عاودنا القتال ورجعنا معهم إلى ما نحن فيه ، ثم إن مزاجك منحرف والألم شديد ، ولو وقع إرجاف لهلك الناس ، والرأي على كل تقدير البعد عنهم .
ووافقهم الأطباء على ذلك ، فأجابهم إليه إلى ما يريد الله يفعله
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ، فرحلوا إلى
الخروبة رابع شهر رمضان وأمر من
بعكا من المسلمين بحفظها ، وإغلاق أبوابها ، والاحتياط ، وأعلمهم بسبب رحيله .
فلما رحل هو وعساكره أمن الفرنج وانبسطوا في تلك الأرض ، وعادوا فحصروا
عكا ، وأحاطوا بها من البحر إلى البحر ومراكبهم أيضا في البحر تحصرها ، وشرعوا في حفر الخندق ، وعمل السور من التراب الذي يخرجونه من الخندق ، وجاءوا بما لم يكن في الحساب .
وكان اليزك كل يوم يوافقهم ، وهم لا يقاتلون ، ولا يتحركون ، إنما هم مهتمون بعمل الخندق والسور عليهم ليتحصنوا به من
صلاح الدين ، إن عاد إلى قتالهم ، فحينئذ ظهر رأي المشيرين بالرحيل .
وكان اليزك كل يوم يخبرون
صلاح الدين بما يصنع الفرنج ، ويعظمون الأمر عليه وهو مشغول بالمرض ، لا يقدر على النهوض للحرب ، وأشار عليه بعضهم بأن يرسل العساكر جميعها إليهم ليمنعهم من الخندق والسور ، ويقاتلوهم ، ويتخلف هو عنهم ، فقال : إذا لم أحضر معهم لا يفعلون شيئا ، وربما كان من الشر أضعاف ما نرجوه من الخير ، فتأخر الأمر إلى أن عوفي ، فتمكن الفرنج وعملوا ما أرادوا ، وأحكموا أمورهم ، وحصنوا نفوسهم بما وجدوا إليه السبيل ، وكان من
بعكا يخرجون إليهم كل يوم ، ويقاتلونهم ، وينالون منهم بظاهر البلد .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33882رَحِيلِ صَلَاحِ الدِّينِ عَنِ الْفِرِنْجِ وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ حَصْرِ عَكَّا
لَمَّا قُتِلَ مِنَ الْفِرِنْجِ ذَلِكَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ ، جَافَتِ الْأَرْضُ مِنْ نَتِنِ رِيحِهِمْ ، وَفَسَدَ الْهَوَاءُ وَالْجَوُّ ، وَحَدَثَ لِلْأَمْزِجَةِ فَسَادٌ ، وَانْحَرَفَ مِزَاجُ
صَلَاحِ الدِّينِ ، وَحَدَثَ لَهُ قُولَنْجٌ مُبَرِّحٌ كَانَ يَعْتَادُهُ ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأُمَرَاءُ وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالِانْتِقَالِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَرْكِ مُضَايَقَةِ الْفِرِنْجِ ، وَحَسَّنُوهُ لَهُ .
وَقَالُوا : قَدْ ضَيَّقْنَا عَلَى الْفِرِنْجِ ، وَلَوْ أَرَادُوا
[ ص: 75 ] الِانْفِصَالَ عَنْ مَكَانِهِمْ لَمْ يَقْدِرُوا ، وَالرَّأْيُ أَنَّنَا نَبْعُدُ عَنْهُمْ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الرَّحِيلِ وَالْعَوْدِ فَإِنْ رَحَلُوا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ ، فَقَدْ كُفِينَا شَرَّهُمْ وَكُفُوا شَرَّنَا ، وَإِنْ أَقَامُوا عَاوَدْنَا الْقِتَالَ وَرَجَعْنَا مَعَهُمْ إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ، ثُمَّ إِنَّ مِزَاجَكَ مُنْحَرِفٌ وَالْأَلَمَ شَدِيدٌ ، وَلَوْ وَقَعَ إِرْجَافٌ لَهَلَكَ النَّاسُ ، وَالرَّأْيُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ الْبُعْدُ عَنْهُمْ .
وَوَافَقَهُمُ الْأَطِبَّاءُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ إِلَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ يَفْعَلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ، فَرَحَلُوا إِلَى
الْخَرُّوبَةِ رَابِعَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ مَنْ
بِعَكَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهَا ، وَإِغْلَاقِ أَبْوَابِهَا ، وَالِاحْتِيَاطِ ، وَأَعْلَمَهُمْ بِسَبَبِ رَحِيلِهِ .
فَلَمَّا رَحَلَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ أَمِنَ الْفِرِنْجُ وَانْبَسَطُوا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ ، وَعَادُوا فَحَصَرُوا
عَكَّا ، وَأَحَاطُوا بِهَا مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ وَمَرَاكِبُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ تَحْصُرُهَا ، وَشَرَعُوا فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ ، وَعَمَلِ السُّورِ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يُخْرِجُونَهُ مِنَ الْخَنْدَقِ ، وَجَاءُوا بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ .
وَكَانَ الْيَزَكُ كُلَّ يَوْمٍ يُوَافِقُهُمْ ، وَهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ ، وَلَا يَتَحَرَّكُونَ ، إِنَّمَا هُمْ مُهْتَمُّونَ بِعَمَلِ الْخَنْدَقِ وَالسُّورِ عَلَيْهِمْ لِيَتَحَصَّنُوا بِهِ مِنْ
صَلَاحِ الدِّينِ ، إِنْ عَادَ إِلَى قِتَالِهِمْ ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ رَأْيُ الْمُشِيرِينَ بِالرَّحِيلِ .
وَكَانَ الْيَزَكُ كُلَّ يَوْمٍ يُخْبِرُونَ
صَلَاحَ الدِّينِ بِمَا يَصْنَعُ الْفِرِنْجُ ، وَيُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْمَرَضِ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لِلْحَرْبِ ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُرْسِلَ الْعَسَاكِرَ جَمِيعَهَا إِلَيْهِمْ لِيَمْنَعَهُمْ مِنَ الْخَنْدَقِ وَالسُّورِ ، وَيُقَاتِلُوهُمْ ، وَيَتَخَلَّفَ هُوَ عَنْهُمْ ، فَقَالَ : إِذَا لَمْ أَحْضُرْ مَعَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ شَيْئًا ، وَرُبَّمَا كَانَ مِنَ الشَّرِّ أَضْعَافُ مَا نَرْجُوهُ مِنَ الْخَيْرِ ، فَتَأَخَّرَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ عُوفِيَ ، فَتَمَكَّنَ الْفِرِنْجُ وَعَمِلُوا مَا أَرَادُوا ، وَأَحْكَمُوا أُمُورَهُمْ ، وَحَصَّنُوا نُفُوسَهُمْ بِمَا وَجَدُوا إِلَيْهِ السَّبِيلَ ، وَكَانَ مَنْ
بِعَكَّا يَخْرُجُونَ إِلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ ، وَيُقَاتِلُونَهُمْ ، وَيَنَالُونَ مِنْهُمْ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ .