الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الفتنة بفيروزكوه من خراسان

في هذه السنة كانت فتنة عظيمة بعسكر غياث الدين - ملك الغور وغزنة - وهو بفيروزكوه ، عمت الرعية والملوك والأمراء ، وسببها أن الفخر محمد بن عمر بن الحسين الرازي ، الإمام المشهور ، الفقيه الشافعي ، كان قدم إلى غياث الدين مفارقا لبهاء الدين سام ، صاحب باميان ، وهو ابن أخت غياث الدين ، فأكرمه غياث الدين ، واحترمه ، وبالغ في إكرامه ، وبنى له مدرسة بهراة بالقرب من الجامع ، فقصده الفقهاء من البلاد ، فعظم ذلك على الكرامية ، وهم كثيرون بهراة ، وأما الغورية فكلهم [ ص: 166 ] كرامية ، وكرهوه ، وكان أشد الناس عليه الملك ضياء الدين ، وهو عم غياث الدين ، وزوج ابنته ، فاتفق أن حضر الفقهاء من الكرامية والحنفية والشافعية عند غياث الدين بفيروزكوه للمناظرة ، وحضر فخر الدين الرازي والقاضي مجد الدين عبد المجيد بن عمر المعروف بابن القدوة ، وهو من الكرامية الهيصمية ، وله عندهم محل كبير لزهده وعلمه وبيته ، فتكلم الرازي . فاعترض عليه ابن القدوة ، وطال الكلام ، فقام غياث الدين ، فاستطال عليه الفخر وسبه وشتمه وبالغ في أذاه ، وابن القدوة لا يزيد على أن يقول لا يفعل مولانا إلا وأخذك الله ، أستغفر الله ، فانفصلوا على هذا .

وقام ضياء الدين في هذه الحادثة وشكا إلى غياث الدين ، وذم الفخر ، ونسبه إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة ، فلم يصغ غياث إليه ، فلما كان الغد وعظ ابن عم المجد بن القدوة بالجامع ، فلقد صعد المنبر قال : بعد أن حمد الله وصلى على النبي - صلى الله عليه و سلم - : لا إله إلا الله ، ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) ، أيها الناس ، إنا لا نقول إلا ما صح عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما علم أرسطاطاليس وكفريات ابن سينا ، وفلسفة الفارابي ، فلا نعلمها ، فلأي حال يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله ، وعن سنة نبيه ! وبكى وضج الناس ، وبكى الكرامية واستغاثوا ، وأعانهم من يؤثر بعد الفخر الرازي عن السلطان وثار الناس من كل جانب وامتلأ البلد فتنة ، وكادوا يقتتلون ، ويجري ما يهلك فيه خلق كثير ، فبلغ ذلك السلطان ، فأرسل جماعة من عنده إلى الناس وسكنهم ، ووعدهم بإخراج الفخر من عندهم وتقدم إليه بالعود إلى هراة ، فعاد إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية