الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فتح عسقلان وما يجاورها

لما ملك صلاح الدين بيروت وجبيل وغيرهما ، كان أمر عسقلان والقدس أهم عنده من غيرهما لأسباب منها أنهما على طريق مصر ، يقطع بينهما وبين الشام .

وكان يختار أن تتصل الولايات له ليسهل خروج العسكر منها ودخولهم إليها ، ولما في فتح القدس من الذكر الجميل والصيت العظيم ، إلى غير ذلك من الأعراض .

فسار عن بيروت نحو عسقلان ، واجتمع بأخيه العادل ومن معه من عساكر مصر ، ونازلوها يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة ، وكان صلاح الدين قد أحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية إليه من دمشق ، وقال لهما : إن سلمتما البلاد إلي فلكما الأمان ، فأرسلا إلى من بعسقلان من الفرنج يأمرانهم بتسليم البلد ، فلم يسمعوا أمرهما وردوا عليهما أقبح رد ، وجبهوهما بما يسوءهما .

فلما رأى السلطان ذلك جد في قتال المدينة ونصب المجانيق عليها ، وزحف [ ص: 33 ] مرة بعد أخرى ، وتقدم النقابون إلى السور ، فنالوا من باشورته شيئا . هذا وملكهم يكرر المراسلات إليهم بالتسليم ، ويشير عليهم ، ويعدهم أنه إذا أطلق من الأسر أضرم البلاد على المسلمين نارا ، واستنجد بالفرنج من البحر ، وأجلب الخيل والرجل إليهم من أقاصي بلاد الفرنج وأدانيها ، وهم لا يجيبون إلى ما يقول ولا يسمعون ما يشير به .

ولما رأوا أنهم كل يوم يزدادون ضعفا ووهنا ، وإذا قتل منهم الرجل لا يجدون له عوضا ، ولا لهم نجدة ينتظرونها ، راسلوا ملكهم المأسور في تسليم البلد على شروط اقترحوها ، فأجابهم صلاح الدين إليها .

وكانوا قتلوا في الحصار ‌‌‌أميرا كبيرا من المهرانية ، فخافوا عند مفارقة البلد أن عشيرته يقتلون منهم بثأره ، فاحتاطوا فيما اشترطوا لأنفسهم ، فأجيبوا إلى ذلك جميعه ، وسلموا المدينة سلخ جمادى الآخرة من السنة ، وكانت مدة الحصار أربعة عشر يوما ، وسيرهم صلاح الدين ونساءهم وأموالهم وأولادهم إلى بيت المقدس ، ووفى لهم بالأمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية