ذكر الخطا من الغورية انهزام
وفي هذه السنة عبر الخطا نهر جيحون إلى ناحية خراسان ، فعاثوا في البلاد وأفسدوا ، فلقيهم عسكر وقاتلهم فانهزم الخطا . غياث الدين الغوري
وكان سبب ذلك أن كان قد سار إلى بلد خوارزم شاه تكش الري وهمذان وأصفهان وما بينهما من البلاد وملكها ، وتعرض إلى عساكر الخليفة ، وأظهر طلب السلطنة والخطبة ببغداد ، فأرسل الخليفة إلى غياث الدين ملك الغور وغزنة [ يأمره ] بقصد بلاد خوارزم شاه [ ليعود عن قصد العراق ، وكان خوارزم شاه ] قد عاد إلى خوارزم ، فراسله غياث الدين يقبح له فعله ، ويتهدده بقصد بلاده وأخذها ، فأرسل خوارزم شاه إلى الخطا يشكو إليهم من غياث الدين ، ويقول : إن لم تدركوه بإنفاذ العساكر ، وإلا أخذ غياث الدين بلاده . كما أخذ مدينة بلخ ، وقصد بعد ذلك بلادهم ، ويتعذر عليهم منعه ، ويعجزون عنه ، ويضعفون عن رده عما وراء النهر ، فجهز ملك الخطا جيشا كثيفا ، وجعل مقدمهم المعروف بطاينكوا ، وهو كالوزير له ، فساروا وعبروا جيحون في جمادى الآخرة ، وكان الزمان شتاء ، وكان شهاب الدين الغوري أخو غياث الدين ببلاد الهند ، والعساكر معه ، وغياث الدين به من النقرس ما يمنعه من الحركة ، إنما يحمل في محفة ، والذي يقود الجيش ويباشر الحروب أخوه شهاب [ ص: 154 ] الدين ، فلما وصل الخطا إلى جيحون ، وسار خوارزم شاه إلى طوس ، عازما على قصد هراة ومحاصرتها ، وعبر الخطا النهر ، ووصلوا إلى بلاد الغور مثل : كرزبان وسرقان وغيرهما ، وقتلوا وأسروا ونهبوا وسبوا كثيرا لا يحصى ، فاستغاث الناس بغياث الدين ، فلم يكن عنده من العساكر ما يلقاهم بها ، فراسل الخطا بهاء الدين سام ملك باميان يأمرونه بالإفراج عن بلخ ، أو أنه يحمل ما كان من قبله يحمله من المال ، فلم يجبهم إلى ذلك .
وعظمت المصيبة على المسلمين بما فعله الخطا ، فانتدب الأمير محمد بن جربك الغوري ، وهو مقطع الطالقان من قبل غياث الدين ، وكان شجاعا ، وكاتب الحسين بن خرميل ، وكان بقلعة كرزبان . واجتمع معهما الأمير حروش الغوري ، وساروا بعساكرهم إلى الخطا ، فبيتوهم ، وكبسوهم ليلا ، ومن عادة الخطا أنهم لا يخرجون من خيامهم ليلا ، ولا يفارقونها ، فأتاهم هؤلاء الغورية وقاتلوهم ، وأكثروا القتل في الخطا ، وانهزم من سلم منهم من القتل ، وأين ينهزمون والعسكر الغوري خلفهم ، وجيحون بين أيديهم ! وظن الخطا أن غياث الدين قد قصدهم في عساكره ، فلما أصبحوا وعرفوا من قاتلهم وعلموا أن غياث الدين بمكانه ، قويت قلوبهم ، وثبتوا [ واقتتلوا ] عامة نهارهم ، فقتل من الفريقين خلق عظيم ، ولحقت المتطوعة بالغوريين ، وأتاهم مدد من غياث الدين وهم في الحرب ، فثبت المسلمون ، وعظمت نكايتهم في الكفار .
وحمل الأمير حروش على قلب الخطا ، وكان شيخا كبيرا ، فأصابه جراحة توفي منها ، ثم إن محمود بن جربك وابن خرميل حملا في أصحابهما ، وتنادوا : لا يرم أحد بقوس ، ولا يطعن برمح ، وأخذوا اللتوت ، وحملوا على الخطا فهزموهم وألحقوهم بجيحون ، فمن صبر قتل ، ومن ألقى نفسه في الماء غرق .
ووصل الخبر إلى ملك الخطا ، فعظم عليه ، وأرسل إلى خوارزم شاه يقول له : أنت قتلت رجالي ، وأريد عن كل قتيل عشرة آلاف دينار ، وكان القتلى اثني عشر ألفا ، [ ص: 155 ] وأنفذ إليه من رده إلى خوارزم ، وألزموه بالحضور عنده ، فأرسل حينئذ خوارزم شاه إلى غياث الدين يعرفه حاله مع الخطا ، ويشكو إليه ويستعطفه غير مرة ، فأعاد الجواب يأمره بطاعة الخليفة ، وإعادة ما أخذه الخطا من بلاد الإسلام ، فلم ينفصل بينهما حال .