ذكر المهدية على يعقوب وطاعتها لولده محمد عصيان أهل
كان أبو يوسف يعقوب ، صاحب المغرب ، لما عاد من إفريقية ، كما ذكرناه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، واستعمل أبا سعيد عثمان ، وأبا علي يونس بن عمر اينتي ، وهما وأبوهما من أعيان الدولة ، فولى عثمان مدينة تونس ، وولى أخاه المهدية ، وجعل قائد الجيش بالمهدية محمد بن عبد الكريم ، وهو شجاع مشهور ، فعظمت نكايته في العرب ، فلم يبق منهم إلا من يخافه .
فاتفق أنه أتاه الخبر بأن طائفة من عوف نازلون بمكان ، فخرج إليهم ، وعدل عنهم حتى جازهم ، ثم أقبل عائدا يطلبهم ، وأتاهم الخبر بخروجه إليهم ، فهربوا من بين يديه ، فلقوه أمامهم ، فهربوا وتركوا المال والعيال من غير قتال ، فأخذ الجميع ورجع إلى المهدية وسلم العيال إلى الوالي ، وأخذ من الأسلاب والغنيمة ما شاء ، وسلم الباقي إلى الوالي وإلى الجند .
ثم إن العرب من بني عوف قصدوا أبا سعيد بن عمر اينتي ، فوحدوا ، وصاروا من حزب الموحدين ، واستجاروا به في رد عيالهم وأموالهم ، فأحضر محمد بن عبد الكريم ، وأمره بإعادة ما أخذ لهم من النعم ، فقال : أخذه الجند ولا أقدر على رده ، فأغلظ له في القول ، وأراد أن يبطش به ، فاستمهله إلى أن يرجع إلى المهدية ويسترد من الجند ما يجده عندهم ، وما عدم منه غرم العوض عنه من ماله ، فأمهله ، فعاد إلى [ ص: 163 ] المهدية وهو خائف ، فلما وصلها جمع أصحابه وأعلمهم ما كان من أبي سعيد ، وحالفهم على موافقته ، فحلفوا له ، فقبض على أبي علي يونس ، وتغلب على المهدية وملكها ، فأرسل إليه أبو سعيد في معنى إطلاق أخيه يونس ، فأطلقه على اثني عشر ألف دينار ، فلما أرسلها إليه أبو سعيد فرقها في الجند وأطلق يونس . وجمع أبو سعيد العساكر ، وأراد قصده ومحاصرته ، فأرسل محمد بن عبد الكريم إلى علي بن إسحاق الملثم ، فحالفه واعتضد به ، فامتنع أبو سعيد من قصده .
ومات يعقوب ، وولي ابنه محمد ، فسير عسكرا مع عمه في البحر ، وعسكرا آخر في البر مع ابن عمه الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن ، فلما وصل عسكر البحر إلى بجاية ، وعسكر البر إلى قسنطينة الهوى ، وهرب الملثم ومن معه من العرب من بلاد إفريقية إلى الصحراء ، ووصل الأسطول إلى المهدية ، فشكا محمد بن عبد الكريم ما لقي من أبي سعيد ، وقال : أنا على طاعة أمير المؤمنين محمد ، ولا أسلمها إلى أبي سعيد ، وإنما أسلمها إلى من يصل من أمير المؤمنين ، فأرسل محمد من يتسلمها منه وعاد إلى الطاعة .