ذكر دمشق وملك ولده . وفاة المعظم صاحب
في هذه السنة توفي الملك يوم الجمعة سلخ ذي القعدة ، وكان مرضه دوسنطاريا ، وكان ملكه لمدينة المعظم عيسى ابن الملك العادل دمشق ، من حين وفاة والده الملك العادل ، عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوما . وكان عالما بعدة علوم ، فاضلا فيها ، منها الفقه على مذهب أبي حنيفة ، فإنه كان قد اشتغل به كثيرا ، وصار من المتميزين فيه ، ومنها علم النحو ، فإنه اشتغل به أيضا اشتغالا زائدا ، وصار فيه فاضلا ، وكذلك اللغة وغيرها ، وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة جامع كبير ، فيه كتاب " الصحاح " للجوهري ، ويضاف إليه ما فات " الصحاح " من " التهذيب " للأرموي ، و " الجمهرة " لابن دريد وغيرهما ، وكذلك أيضا أمر بأن يرتب " مسند " على الأبواب ، ويرد كل حديث إلى الباب الذي يقتضيه معناه ، مثاله : أن يجمع أحاديث الطهارة ، وكذلك يفعل في الصلاة وغيرها من الرقائق ، والتفسير ، والغزوات ، فيكون كتابا جامعا . أحمد بن حنبل
وكان قد سمع " المسند " من بعض أصحاب ابن الحصين ، ونفق العلم في سوقه ، وقصده العلماء من الآفاق ، فأكرمهم ، وأجرى عليهم الجرايات الوافرة ، وقربهم ، [ وكان ] يجالسهم ، ويستفيد منهم ويفيدهم ، وكان يرجع إلى علم وصبر على سماع ما يكره ، لم يسمع أحد ممن يصحبه منه كلمة تسوءه .
وكان حسن الاعتقاد يقول كثيرا : إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر [ ص: 426 ] الطحاوي ، ووصى عند موته بأن يكفن في البياض ، ولا يجعل في أكفانه ثوب فيه ذهب ، وأن يدفن في لحد ، ولا يبنى عليه بناء بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء ، ويقول في مرضه : لي عند الله - تعالى - في أمر دمياط ما أرجو أن يرحمني به .
ولما توفي ، ولي بعده ابنه داود ويلقب الملك الناصر ، وكان عمره قد قارب عشرين سنة .