ذكر حذيفة الباب وأمر المصاحف غزو
وفيها صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددا لعبد الرحمن بن ربيعة ، وخرج معه فبلغ معه سعيد بن العاص ، أذربيجان ، وكانوا يجعلون الناس ردءا ، فأقام حتى [ ص: 482 ] عاد حذيفة ثم رجعا . فلما عاد حذيفة قال : لقد رأيت في سفرتي هذه أمرا ، لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن ، ثم لا يقومون عليه أبدا . قال : وما ذاك ؟ قال : رأيت أناسا من لسعيد بن العاص أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم ، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد ، ورأيت أهل دمشق يقولون : إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم ، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك ، وإنهم قرءوا على ، ابن مسعود وأهل البصرة يقولون مثل ذلك ، وإنهم قرءوا على أبي موسى ، ويسمون مصحفه لباب القلوب . فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذرهم ما يخاف ، فوافقه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكثير من التابعين . وقال له أصحاب : ما تنكر ؟ ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود ؟ فغضب ابن مسعود حذيفة ومن وافقه ، وقالوا : إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطأ . وقال حذيفة : والله لئن عشت لآتين أمير المؤمنين ، ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك . فأغلظ له ، فغضب ابن مسعود سعيد وقام وتفرق الناس ، وغضب حذيفة وسار إلى عثمان فأخبره بالذي رأى ، وقال : أنا النذير العريان فأدركوا الأمة . فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر ، فأعظموه ورأوا جميعا ما رأى حذيفة .
فأرسل عثمان إلى : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها . وكانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام حفصة بنت عمر أبي بكر ، فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر : إن القتل قد كثر واستحر بقراء القرآن يوم اليمامة ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء فيذهب من القرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فأمر أبو بكر فجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال ، فكانت الصحف عند زيد بن ثابت أبي بكر ثم عند عمر ، فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها .
فأرسل عثمان إليها [ من ] أخذها منها ، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص فنسخوها في المصاحف ، وقال وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام عثمان : إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا . فلما نسخوا الصحف ردها عثمان إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف ، وحرق ما سوى ذلك ، وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سوى ذلك . فكل الناس عرف فضل هذا الفعل ، إلا ما كان من أهل الكوفة ، فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن أصحاب عبد الله ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس ، فقام فيهم وقال : ولا كل ذلك ، فإنكم والله قد سبقتم سبقا بينا ، فاربعوا على ظلعكم . ولما قدم ابن مسعود علي [ ص: 483 ] الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف ، فصاح به وقال : اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك ، فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله .