مطلب : في حسن الظن .
فهذا حال
السلف رجاء بلا إهمال ، وخوف بلا قنوط . ولا بد من
nindex.php?page=treesubj&link=20002حسن الظن بالله تعالى فمن ثم قال الناظم ( ولاق ) أيها العبد المؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ( بحسن الظن ) بالله تعالى ربك ) جل شأنه وتعالى سلطانه ، فإنه عند ظن عبده به ، فإن لقيته وأنت حسن الظن به ( تسعد ) السعادة الأبدية ، وتسلم السلامة السرمدية . ومفهومه أنك إن لم تلاقيه بحسن الظن تشق شقاوة الأبد ، وتعطب عطبا ما عطبه غيرك أنت وأمثالك
[ ص: 467 ] فقد قال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6982قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث ذكرني } الحديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وأخرج
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=119210من حسن الظن العبادة } ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم بلفظ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11742إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله } . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7627سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل } .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22601حيان أبي النضر قال خرجت عائدا ليزيد بن الأسود فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=105واثلة بن الأسقع وهو يريد عيادته ، فدخلنا عليه ، فلما رأى واثلة بسط يده وجعل يشير إليه ، فأقبل واثلة حتى جلس فأخذ يزيد بكفي واثلة فجعلهما على وجهه ، فقال له واثلة كيف ظنك بالله ؟ قال ظني بالله والله حسن ، قال فأبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله } .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه قال " والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه ظنه وذلك بأن الخير في يده .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1919أمر الله عز وجل بعبد إلى النار ، فلما وقف على شفتها التفت فقال : أما والله يا رب إن كان ظني بك لحسن ، فقال الله عز وجل ردوه أنا عند حسن ظن عبدي بي } .
( تنبيهات ) :
( الأول ) : روى
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16607علي بن بكار رحمه الله تعالى أنه سئل عن حسن الظن بالله تعالى قال : أن لا تجمعك والفجار دار واحدة .
ودعا رجل
بعرفات فقال : لا تعذبنا بالنار بعد أن أسكنت توحيدك قلوبنا ، ثم بكى وقال ما إخالك تفعل بعفوك ، ثم بكى وقال ولئن عذبتنا بذنوبنا لتجمعن بيننا وبين أقوام طال ما عاديناهم فيك .
وقال سيدنا
إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : اللهم لا تشمت من كان يشرك بك بمن كان لا يشرك بك .
[ ص: 468 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا تلا هذه الآية {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } قال : ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت أتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة . ثم بكى
أبو حفص الصيرفي بكاء شديدا .
( الثاني ) : ظن كثير من الجهال أن حسن الظن بالله والاعتماد على سعة عفوه ورحمته مع تعطيل الأوامر والنواهي كاف ، وهذا خطأ قبيح وجهل فضيح ، فإن رجاءك لمرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق كما قاله
معروف رحمه الله ورضي عنه . وقال بعض العلماء : من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ربع دينار لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا . ولم يفرق كثير من الناس بين الرجاء والتمني . والفرق أن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز . والتمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } فطوى سبحانه بساط الرجاء إلا عن هؤلاء وأمثالهم .
قال الإمام المحقق
ابن القيم في كتابه الروح الكبرى : الرجاء لعبد قد امتلأ قلبه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، فمثل بين عينيه ما وعده الله من كرامته وجنته ، فامتد القلب مائلا إلى ذلك شوقا إليه وحرصا عليه ، فهو شبيه بالماد عنقه إلى مطلوب قد صار نصب عينيه . قال
nindex.php?page=treesubj&link=20000وعلامة الرجاء الصحيح أن الراجي لخوف فوت الجنة وذهاب حظه منها يترك ما يخاف أن يحول بينه وبين دخولها .
وأما الأماني فإنها رءوس أموال المفاليس ، أخرجوها في قالب الرجاء ، وتلك أمانيهم ، وهي تصدر من قلب تزاحمت عليه وساوس النفس فأظلم من دخانها ، فهو يستعمل قلبه في شهواتها ، وكلما فعل ذلك منته حسن العاقبة والنجاة ، وأحالته على العفو والمغفرة ، والفضل ، وأن الكريم لا يستوفي حقه ولا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة ويسمي ذلك رجاء ، وإنما هو وساوس وأماني باطلة تقذف بها النفس إلى القلب الجاهل فيستروح إليها قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } فإذا قالت لك النفس أنا في مقام الرجاء فطالبها
[ ص: 469 ] بالبرهان ، وقل هذه أمنية فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . فالكيس يعمل أعمال البر على الطمع والرجاء . والأحمق العاجز يعطل أعمال البر ويتكل على الأماني التي يسميها رجاء .
والحاصل أن حسن الظن والرجاء إن حمل على العمل وحث عليه وساق إليه فهو صحيح ونافع ، وهو من أجل المقامات ورءوس المعاملات وإن دعا إلى البطالة والتواني والانهماك في المعاصي والأماني والانكباب على الضلالة والأغاني فهو غرور ضار مهلك لصاحبه ، وقاطع له عن ربه ، وقامع لهمته عن حبه .
وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه حاديا له على الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور ، والله ولي الأمور .
ولو أن رجلا له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه ، فأهملها بلا حرث ولم يبذرها وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها مثل ما أتى من حرث وبذر وسقى وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء ، وكذا لو حسن ظنه وقوي رجاؤه أن يأتيه ولد من غير جماع ، أو يصير أعلم زمانه من غير طلب للعلم ، وبذل مجهوده في تحصيله وتقييد شوارده وتحقيق فوائده وأمثال ذلك ، وكذا من حسن ظنه ، وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، من غير عمل ولا طاعة ولا امتثال لما أمر تعالى به واجتناب ما نهى عنه ، فإنه يكون من أسفه السفهاء ويعد من أحمق الحمقاء .
ومما ينبغي أن يعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=20001من رجا شيئا استلزم رجاؤه أمورا :
أحدها محبة ما يرجوه .
الثاني خوفه من فواته .
الثالث سعيه في تحصيله بحسب الإمكان .
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني ، والرجاء شيء والأماني شيء فكل راج خائف ، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع مخافة الفوات كما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36294من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل } وهو جل شأنه إنما جعل الرجاء لأهل الأعمال . فعلم أن الرجاء إنما ينفع إذا حث صاحبه على طاعة مولاه .
[ ص: 470 ] والمقصود أن من زعم أنه حسن ظنه بالله مع انهماكه في اللذات وانكبابه على المعاصي والشبهات وإعراضه عن الأوامر والطاعات فهو من الحمق على جانب عظيم ، وإنما الذي عليه أماني وغرور . والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وقد ذكرت في كتابي البحور الزاخرة من ذلك طرفا صالحا فإن راجعته ظفرت بمرادك والله أعلم .
( الثالث )
nindex.php?page=treesubj&link=20000 : الفرق بين الرجاء والرغبة أن الرجاء طمع ، والرغبة طلب ، فهي ثمرة الرجاء . فإنه إذا رجا الشيء طلبه ، والرغبة من الرجا كالهرب من الخوف . فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه ، ومن خاف شيئا هرب منه . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90يدعوننا رغبا ورهبا } والله أعلم .
مَطْلَبٌ : فِي حُسْنِ الظَّنِّ .
فَهَذَا حَالُ
السَّلَفِ رَجَاءٌ بِلَا إهْمَالٍ ، وَخَوْفٌ بِلَا قُنُوطٍ . وَلَا بُدَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20002حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ ( وَلَاقِ ) أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ( بِحُسْنِ الظَّنِّ ) بِاَللَّهِ تَعَالَى رَبَّك ) جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ ، فَإِنْ لَقِيته وَأَنْتَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ ( تَسْعَدْ ) السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ ، وَتَسْلَمْ السَّلَامَةَ السَّرْمَدِيَّةَ . وَمَفْهُومُهُ أَنَّك إنْ لَمْ تُلَاقِيهِ بِحُسْنِ الظَّنِّ تَشْقَ شَقَاوَةَ الْأَبَدِ ، وَتَعْطَبُ عَطَبًا مَا عَطِبَهُ غَيْرُك أَنْتَ وَأَمْثَالُك
[ ص: 467 ] فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6982قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ ذَكَرَنِي } الْحَدِيثُ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو دَاوُد nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=119210مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ الْعِبَادَةُ } وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11742إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ } . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7627سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22601حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ قَالَ خَرَجْت عَائِدًا لِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَلَقِيت nindex.php?page=showalam&ids=105وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ وَهُوَ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى وَاثِلَةَ بَسَطَ يَدَهُ وَجَعَلَ يُشِيرُ إلَيْهِ ، فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ حَتَّى جَلَسَ فَأَخَذَ يَزِيدُ بِكَفَّيْ وَاثِلَةَ فَجَعَلَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ ، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ كَيْفَ ظَنُّك بِاَللَّهِ ؟ قَالَ ظَنِّي بِاَللَّهِ وَاَللَّهِ حَسَنٌ ، قَالَ فَأَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ } .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاَللَّهِ الظَّنَّ إلَّا أَعْطَاهُ ظَنَّهُ وَذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1919أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفَتِهَا الْتَفَتَ فَقَالَ : أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنٌ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي } .
( تَنْبِيهَاتٌ ) :
( الْأَوَّلُ ) : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16607عَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ : أَنْ لَا تَجْمَعَك وَالْفُجَّارَ دَارٌ وَاحِدَةٌ .
وَدَعَا رَجُلٌ
بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ : لَا تُعَذِّبْنَا بِالنَّارِ بَعْدَ أَنْ أَسْكَنْت تَوْحِيدَك قُلُوبَنَا ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ مَا إخَالُك تَفْعَلُ بِعَفْوِك ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ وَلَئِنْ عَذَّبْتنَا بِذُنُوبِنَا لَتَجْمَعَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ طَالَ مَا عَادَيْنَاهُمْ فِيك .
وَقَالَ سَيِّدُنَا
إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ مَنْ كَانَ يُشْرِكُ بِك بِمَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِك .
[ ص: 468 ] وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ } قَالَ : وَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِنَا لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ أَتُرَاك تَجْمَعُ بَيْنَ أَهْلِ الْقِسْمَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ . ثُمَّ بَكَى
أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ بُكَاءً شَدِيدًا .
( الثَّانِي ) : ظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى سَعَةِ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي كَافٍ ، وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ وَجَهْلٌ فَضِيحٌ ، فَإِنَّ رَجَاءَك لِمَرْحَمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ كَمَا قَالَهُ
مَعْرُوفٌ رَحِمَهُ اللَّهِ وَرَضِيَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْك فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ رُبْعِ دِينَارٍ لَا تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ هَذَا . وَلَمْ يُفَرِّقْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالتَّمَنِّي . وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجَاءَ يَكُونُ مَعَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِأَسْبَابِ الظَّفَرِ وَالْفَوْزِ . وَالتَّمَنِّي حَدِيثُ النَّفْسِ بِحُصُولِ ذَلِكَ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } فَطَوَى سُبْحَانَهُ بِسَاطَ الرَّجَاءِ إلَّا عَنْ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ .
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحُ الْكُبْرَى : الرَّجَاءُ لِعَبْدٍ قَدْ امْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَمَثُلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَجَنَّتِهِ ، فَامْتَدَّ الْقَلْبُ مَائِلًا إلَى ذَلِكَ شَوْقًا إلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَادِّ عُنُقَهُ إلَى مَطْلُوبٍ قَدْ صَارَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=20000وَعَلَامَةُ الرَّجَاءِ الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّاجِيَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجَنَّةِ وَذَهَابِ حَظِّهِ مِنْهَا يَتْرُكُ مَا يَخَافُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُخُولِهَا .
وَأَمَّا الْأَمَانِيُّ فَإِنَّهَا رُءُوسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ ، أَخْرَجُوهَا فِي قَالَبِ الرَّجَاءِ ، وَتِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ، وَهِيَ تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ تَزَاحَمَتْ عَلَيْهِ وَسَاوِسُ النَّفْسِ فَأَظْلَمَ مِنْ دُخَانِهَا ، فَهُوَ يَسْتَعْمِلُ قَلْبَهُ فِي شَهَوَاتِهَا ، وَكُلَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنَّتْهُ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ وَالنَّجَاةَ ، وَأَحَالَتْهُ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَالْفَضْلِ ، وَأَنَّ الْكَرِيمَ لَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ وَلَا تَضُرُّهُ الذُّنُوبُ وَلَا تُنْقِصُهُ الْمَغْفِرَةُ وَيُسَمِّي ذَلِكَ رَجَاءً ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسَاوِسُ وَأَمَانِيُّ بَاطِلَةٌ تَقْذِفُ بِهَا النَّفْسُ إلَى الْقَلْبِ الْجَاهِلِ فَيَسْتَرْوِحُ إلَيْهَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } فَإِذَا قَالَتْ لَك النَّفْسُ أَنَا فِي مَقَامِ الرَّجَاءِ فَطَالِبْهَا
[ ص: 469 ] بِالْبُرْهَانِ ، وَقُلْ هَذِهِ أُمْنِيَّةٌ فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَالْكَيِّسُ يَعْمَلُ أَعْمَالَ الْبِرِّ عَلَى الطَّمَعِ وَالرَّجَاءِ . وَالْأَحْمَقُ الْعَاجِزُ يُعَطِّلُ أَعْمَالَ الْبِرِّ وَيَتَّكِلُ عَلَى الْأَمَانِيِّ الَّتِي يُسَمِّيهَا رَجَاءً .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ وَالرَّجَاءِ إنْ حَمَلَ عَلَى الْعَمَلِ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَسَاقَ إلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَنَافِعٌ ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْمَقَامَاتِ وَرُءُوسِ الْمُعَامَلَاتِ وَإِنْ دَعَا إلَى الْبَطَالَةِ وَالْتَوَانِي وَالِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي وَالْأَمَانِيِّ وَالِانْكِبَابِ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْأَغَانِي فَهُوَ غُرُورٌ ضَارٌّ مُهْلِكٌ لِصَاحِبِهِ ، وَقَاطِعٌ لَهُ عَنْ رَبِّهِ ، وَقَامِعٌ لِهِمَّتِهِ عَنْ حُبِّهِ .
وَحُسْنُ الظَّنِّ هُوَ الرَّجَاءُ ، فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ حَادِيًا لَهُ عَلَى الطَّاعَةِ زَاجِرًا لَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ ، وَمَنْ كَانَتْ بَطَالَتُهُ رَجَاءً ، وَرَجَاؤُهُ بِطَالَةً وَتَفْرِيطًا فَهُوَ الْمَغْرُورُ ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأُمُورِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ أَرْضٌ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ مِنْ مُغِلِّهَا مَا يَنْفَعُهُ ، فَأَهْمَلَهَا بِلَا حَرْثٍ وَلَمْ يَبْذُرْهَا وَحَسُنَ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مُغِلِّهَا مِثْلُ مَا أَتَى مَنْ حَرَثَ وَبَذَرَ وَسَقَى وَتَعَاهَدَ الْأَرْضَ لَعَدَّهُ النَّاسُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ ، وَكَذَا لَوْ حَسُنَ ظَنُّهُ وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ، أَوْ يَصِيرَ أَعْلَمَ زَمَانِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لِلْعِلْمِ ، وَبَذْلِ مَجْهُودِهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَتَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ وَتَحْقِيقِ فَوَائِدِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، وَكَذَا مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ ، وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ فِي الْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا طَاعَةٍ وَلَا امْتِثَالٍ لِمَا أَمَرَ تَعَالَى بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ وَيُعَدُّ مِنْ أَحْمَقِ الْحُمَقَاءِ .
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20001مَنْ رَجَا شَيْئًا اسْتَلْزَمَ رَجَاؤُهُ أُمُورًا :
أَحَدُهَا مَحَبَّةُ مَا يَرْجُوهُ .
الثَّانِي خَوْفُهُ مِنْ فَوَاتِهِ .
الثَّالِثُ سَعْيُهُ فِي تَحْصِيلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
وَأَمَّا رَجَاءٌ لَا يُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمَانِيِّ ، وَالرَّجَاءُ شَيْءٌ وَالْأَمَانِيُّ شَيْءٌ فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ ، وَالسَّائِرُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا خَافَ أَسْرَعَ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36294مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ } وَهُوَ جَلَّ شَأْنُهُ إنَّمَا جَعَلَ الرَّجَاءَ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ . فَعُلِمَ أَنَّ الرَّجَاءَ إنَّمَا يَنْفَعُ إذَا حَثَّ صَاحِبَهُ عَلَى طَاعَةِ مَوْلَاهُ .
[ ص: 470 ] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاَللَّهِ مَعَ انْهِمَاكِهِ فِي اللَّذَّاتِ وَانْكِبَابِهِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالشُّبُهَاتِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْأَوَامِرِ وَالطَّاعَاتِ فَهُوَ مِنْ الْحُمْقِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ ، وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَيْهِ أَمَانِيُّ وَغُرُورٌ . وَاَللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِي الْبُحُورِ الزَّاخِرَةِ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا صَالِحًا فَإِنْ رَاجَعْته ظَفِرْت بِمُرَادِك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّالِثُ )
nindex.php?page=treesubj&link=20000 : الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ أَنَّ الرَّجَاءَ طَمَعٌ ، وَالرَّغْبَةَ طَلَبٌ ، فَهِيَ ثَمَرَةُ الرَّجَاءِ . فَإِنَّهُ إذَا رَجَا الشَّيْءَ طَلَبَهُ ، وَالرَّغْبَةُ مِنْ الرَّجَا كَالْهَرَبِ مِنْ الْخَوْفِ . فَمَنْ رَجَا شَيْئًا طَلَبَهُ وَرَغِبَ فِيهِ ، وَمَنْ خَافَ شَيْئًا هَرَبَ مِنْهُ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .