مطلب : حكم . لبس جلود السنجاب والقاقم
( و ) قد كره أيضا ( سنجابهم ) أي يكره لبس جلود السنجاب وهو حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأر ، شعره في غاية النعومة ، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون ، وهو شديد الحقد إذا أبصر الإنسان صعد الشجر العالي ، وفيها يأوي ، ومنها يأكل ، وهو كثير ببلاد الصقالبة والترك ، ومزاجه حار رطب لسرعة حركته على حركة الإنسان ، وأجود جلوده الأزرق الأملس .
قال في الإنصاف : في السنجاب وجهان وأطلقهما في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين والنظم والفروع أحدهما يحرم ، صححه في الرعاية الكبرى وتصحيح المحرر .
وقال : يحرم لأنه ينهش الحيات فأشبه الجرز . القاضي
وميل الإمام وابن أخيه الموفق الشارح إلى الإباحة .
( و ) كذا كره ( القاقم ) وهو دويبة تشبه السنجاب ، إلا أنه أبرد منه مزاجا وأبيض ; ولهذا هو أبيض يقق ، ويشبه جلده جلد الفنك ، وهو أعز قيمة من السنجاب ، فأشعر كلام الناظم بكراهة لبسه ( أيضا ) كالسنجاب على ما علمت فيه ( ليزدد ) الواقف على هذا النظم من المعرفة والعلم من إباحة المباح وحظر المحرم ، وحكاية الوجهين ليتبصر ويفهم ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
[ ص: 267 ] تنبيهات ) :
( الأول ) : لم أر لمتقدمي الأصحاب - رحمهم الله تعالى - في القاقم كلاما ، ولم يذكره في الفروع ولا تصحيحه ، ولا في الإنصاف ولا في التنقيح ولا في المقنع ، وكذا لم يذكره في غاية المطلب والآداب الكبرى والتنقيح والمنتهى ، وذكره في الإقناع في باب ستر العورة .
وكأن الناظم رحمه الله تعالى قاسه على السنجاب ، وحكى فيه الخلاف الذي في السنجاب ، وكأنه أراد بقوله : ليزدد أي : القاقم على ما ذكروه ; إذ العلة في كل واحدة ، والله - تعالى - أعلم .
الثاني : استدل علماؤنا - رحمهم الله تعالى - على القول بحرمة المذكورات بحديث رضي الله عنه { أبي ثعلبة الخشني } متفق عليه . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع
وفي صحيح عن مسلم رضي الله عنه { أبي } وغيرهما من الأحاديث ، فتخص عموم الآيات القرآنية ، والثعلب وما عطف عليه ذوات أنياب ، فهي من السباع ، فتدخل في عموم النهي . كل ذي ناب حرام
وفي تمهيد أن السنجاب والفنك والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وابن عرس انتهى . ابن عبد البر
وبه تعلم أن كل من أباح لبس جلد الثعلب فهو يبيح جلد غيره من المذكورات ; لأنها مشبهة به من كونها مثله في السبعية ، والله أعلم .
مطلب : أول من اتخذ الفراء .
( الثالث ) : مثل السنجاب والسمور ونحوهما من أنواع الجلود ولبسها وألبسها أول من اتخذ الفراء والجلود شيخ شاه الملقب عند العجم ييش داديان ، كان ملكا حكيما عادلا فطنا ، وله كتاب عظيم في الإلهيات وأنواع الهياكل ، وجدد في خلافة . المأمون
واسم كتابه جاودان الصغير ، وترجم بالعربية .
قال البيضاوي في تاريخه : يدل كتابه على حكمته وديانته وحذاقته حتى إن العجم قالت بنبوته .
وهو أول من ترك الملك وتخلى للعبادة ، فقتل في معبده ، وانتقم من بعده طهمورث من قتلته وأبادهم جميعا ، وبنى في موضعه مدينة بلخي .
قال علي دده في أوائله : وكان تلميذا لإدريس عليه السلام .
وذكره في أصول التواريخ وغيره من العلماء ، والله أعلم .