مطلب : في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=19983_19979_20002_20000_19625الفرق بين الرضا والمحبة وبين الرجاء والخوف .
قال
الجنيد قدس الله سره : الرضا هو صحة العلم الواصل إلى القلب ، فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضا ، وليس الرضا والمحبة كالرجاء والخوف ، فإن الرضا والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة ، بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة بحصول ما كانوا يرجونه ، وأمنهم مما كانوا يخافونه ، وإن كان
[ ص: 531 ] رجاؤهم لما ينالون من كرامته دائما لكنه ليس رجاء مشوبا بشك . بل رجاء واثق بوعد صادق من حبيب قادر ، فهذا لون ورجاؤهم في الدنيا لون . وقال
ابن عطاء الله الإسكندراني رحمه الله تعالى : الرضا سكون القلب إلى قدم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به .
قال
ابن القيم : وهذا الرضا بما منه ، وأما الرضا به فأعلى من هذا وأفضل ، ففرق بين من هو راض بمحبوبه وبين رضاه فيما يناله من محبوبه من حظوظ نفسه .
واعلم أنه ليس من شرط الرضا أن لا يحس بالألم والمكاره ، بل أن لا يعترض على الحكم ولا يتسخطه . ولهذا أشكل على بعض الناس الرضا بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا : هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر ، وإلا فكيف يجتمع الرضا والكراهة وهما ضدان . والصواب أنه لا تناقض بينهما ، وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا تنافي الرضا ، كرضا المريض بشرب الدواء الكريه ، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ ، ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها .
وقد قال
الواسطي رحمه الله تعالى : استعمل الرضا جهدك ولا تدع الرضا يستعملك فتكون محجوبا بلذته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع . وهذا الذي أشار إليه رحمه الله عقبة عظيمة عند القوم ومقطع لهم ، فإن مساكنة الأحوال والسكون إليها والوقوف عندها استلذاذا ومحبة حجاب بينهم وبين ربهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم ، وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم ، وكان
الواسطي كثير التحذير من هذه شديد التنبيه عليها . ومن كلامه : إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة . فهو معنى قوله استعمل الرضا لا تدع الرضا يستعملك ، أي لا يكون عملك لأجل حصول حلاوة الرضا بحيث تكون هي الباعثة لك عليه ، بل اجعله آلة لك وسببا موصلا إلى مقصودك ومطلوبك ، فتكون مستعملا له لا أنه مستعمل لك . وهذا لا يختص بالرضا بل هو عام في جميع الأحوال والمقامات القلبية التي يسكن إليها القلب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون :
nindex.php?page=treesubj&link=19625ثلاثة من أعمال الرضا : ترك الاختيار قبل القضاء
[ ص: 532 ] وفقدان المرارة بعد القضاء ، وهيجان الحب في حشو البلاء وقيل
للحسين بن علي رضي الله عنهما : إن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة ، فقال رضي الله عنه : رحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله تعالى لم يتمن غير ما اختار الله له .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض لبشر الحافي : الرضا أفضل من الزهد في الدنيا ; لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته .
وسئل
أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=938أسألك الرضا بعد القضاء } فقال : لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا ، والرضا بعد القضاء هو الرضاء .
وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد فإن الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى وإلا فالصبر .
وقد أكثر العلماء لا سيما أرباب القلوب من الكلام في الرضا ، فقيل هو ارتفاع الجزع في أي حكم كان . وقيل رفع الاختيار ، وقيل استقبال الأحكام بالفرح . وقيل سكون القلب تحت مجاري الأحكام . وقيل نظر القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد . وللفقير في الرضا بمر القضا شعر :
أنا في الهوى عبد وما للعبد أن يتعرضا مالي على مر القضا
من حيلة غير الرضا
مَطْلَبٌ : فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=19983_19979_20002_20000_19625الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَبَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ .
قَالَ
الْجُنَيْدُ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ : الرِّضَا هُوَ صِحَّةُ الْعِلْمِ الْوَاصِلِ إلَى الْقَلْبِ ، فَإِذَا بَاشَرَ الْقَلْبُ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ أَدَّاهُ إلَى الرِّضَا ، وَلَيْسَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ كَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ ، فَإِنَّ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ حَالَانِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقَانِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْبَرْزَخِ وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، بِخِلَافِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَإِنَّهُمَا يُفَارِقَانِ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِحُصُولِ مَا كَانُوا يَرْجُونَهُ ، وَأَمْنِهِمْ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، وَإِنْ كَانَ
[ ص: 531 ] رَجَاؤُهُمْ لِمَا يَنَالُونَ مِنْ كَرَامَتِهِ دَائِمًا لَكِنَّهُ لَيْسَ رَجَاءً مَشُوبًا بِشَكٍّ . بَلْ رَجَاءَ وَاثِقٍ بِوَعْدٍ صَادِقٍ مِنْ حَبِيبٍ قَادِرٍ ، فَهَذَا لَوْنٌ وَرَجَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا لَوْنٌ . وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الإسكندراني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الرِّضَا سُكُونُ الْقَلْبِ إلَى قِدَمِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ اخْتَارَ لَهُ الْأَفْضَلَ فَيَرْضَى بِهِ .
قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ : وَهَذَا الرِّضَا بِمَا مِنْهُ ، وَأَمَّا الرِّضَا بِهِ فَأَعْلَى مِنْ هَذَا وَأَفْضَلُ ، فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ هُوَ رَاضٍ بِمَحْبُوبِهِ وَبَيْنَ رِضَاهُ فِيمَا يَنَالُهُ مِنْ مَحْبُوبِهِ مِنْ حُظُوظِ نَفْسِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرِّضَا أَنْ لَا يَحُسَّ بِالْأَلَمِ وَالْمَكَارِهِ ، بَلْ أَنْ لَا يَعْتَرِضَ عَلَى الْحُكْمِ وَلَا يَتَسَخَّطَهُ . وَلِهَذَا أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ وَطَعَنُوا فِيهِ وَقَالُوا : هَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى الطَّبِيعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةُ وَهُمَا ضِدَّانِ . وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا ، وَأَنَّ وُجُودَ التَّأَلُّمِ وَكَرَاهَةِ النَّفْسِ لَهُ لَا تُنَافِي الرِّضَا ، كَرِضَا الْمَرِيضِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ ، وَرِضَا الصَّائِمِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْحَرِّ بِمَا يَنَالُهُ مِنْ أَلَمِ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ ، وَرِضَا الْمُجَاهِدِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا .
وَقَدْ قَالَ
الْوَاسِطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : اسْتَعْمِلْ الرِّضَا جَهْدَك وَلَا تَدَعْ الرِّضَا يَسْتَعْمِلُك فَتَكُونَ مَحْجُوبًا بِلَذَّتِهِ وَرُؤْيَتِهِ عَنْ حَقِيقَةِ مَا تُطَالِعُ . وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقَبَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْقَوْمِ وَمَقْطَعٌ لَهُمْ ، فَإِنَّ مُسَاكَنَةَ الْأَحْوَالِ وَالسُّكُونَ إلَيْهَا وَالْوُقُوفَ عِنْدَهَا اسْتِلْذَاذًا وَمَحَبَّةً حِجَابٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ بِحُظُوظِهِمْ عَنْ مُطَالَعَةِ حُقُوقِ مَحْبُوبِهِمْ وَمَعْبُودِهِمْ ، وَهِيَ عَقَبَةٌ لَا يَجُوزُهَا إلَّا أُولُو الْعَزَائِمِ ، وَكَانَ
الْوَاسِطِيُّ كَثِيرَ التَّحْذِيرِ مِنْ هَذِهِ شَدِيدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا . وَمِنْ كَلَامِهِ : إيَّاكُمْ وَاسْتِحْلَاءَ الطَّاعَاتِ فَإِنَّهَا سَمُومٌ قَاتِلَةٌ . فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَعْمِلْ الرِّضَا لَا تَدَعْ الرِّضَا يَسْتَعْمِلُك ، أَيْ لَا يَكُونُ عَمَلُك لِأَجْلِ حُصُولِ حَلَاوَةِ الرِّضَا بِحَيْثُ تَكُونُ هِيَ الْبَاعِثَةَ لَك عَلَيْهِ ، بَلْ اجْعَلْهُ آلَةً لَك وَسَبَبًا مُوَصِّلًا إلَى مَقْصُودِك وَمَطْلُوبِك ، فَتَكُونَ مُسْتَعْمِلًا لَهُ لَا أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَك . وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالرِّضَا بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي يَسْكُنُ إلَيْهَا الْقَلْبُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذُو النُّونِ :
nindex.php?page=treesubj&link=19625ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الرِّضَا : تَرْكُ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْقَضَاءِ
[ ص: 532 ] وَفِقْدَانُ الْمَرَارَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَهَيَجَانُ الْحُبِّ فِي حَشْوِ الْبَلَاءِ وَقِيلَ
لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : الْفَقْرُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْغِنَى ، وَالسَّقَمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصِّحَّةِ ، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَحِمَ اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبَا ذَرٍّ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ : مَنْ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَمَنَّ غَيْرَ مَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِبِشْرٍ الْحَافِي : الرِّضَا أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الرَّاضِيَ لَا يَتَمَنَّى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ .
وَسُئِلَ
أَبُو عُثْمَانَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=938أَسْأَلُك الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ } فَقَالَ : لِأَنَّ الرِّضَا قَبْلَ الْقَضَاءِ عَزْمٌ عَلَى الرِّضَا ، وَالرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَاءُ .
وَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الرِّضَا ، فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَرْضَى وَإِلَّا فَالصَّبْرُ .
وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ لَا سِيَّمَا أَرْبَابُ الْقُلُوبِ مِنْ الْكَلَامِ فِي الرِّضَا ، فَقِيلَ هُوَ ارْتِفَاعُ الْجَزَعِ فِي أَيِّ حُكْمٍ كَانَ . وَقِيلَ رَفْعُ الِاخْتِيَارِ ، وَقِيلَ اسْتِقْبَالُ الْأَحْكَامِ بِالْفَرَحِ . وَقِيلَ سُكُونُ الْقَلْبِ تَحْتَ مَجَارِي الْأَحْكَامِ . وَقِيلَ نَظَرُ الْقَلْبِ إلَى قَدِيمِ اخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ . وَلِلْفَقِيرِ فِي الرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَّا شِعْرُ :
أَنَا فِي الْهَوَى عَبْدُ وَمَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَرَّضَا مَالِي عَلَى مُرِّ الْقَضَا
مِنْ حِيلَةٍ غَيْرِ الرِّضَا