الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات هذه الآية توجب خلق الأرض قبل السماء، وكذلك في (حم السجدة) ، وقال في (النازعات) : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها [النازعات: 27 - 28]، فوصف تعالى خلقها، ثم قال: والأرض بعد ذلك دحاها [النازعات: 30]، فكأن السماء على ذلك [ ص: 168 ] خلقت قبل الأرض؟! فالمعنى فيما ذكره مجاهد وغيره من المفسرين: أنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا، وثار منه دخان، فارتفع، فجعله سماء، فصار خلق الأرض قبل السماء، ثم قصد أمره إلى السماء، فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوة.

                                                                                                                                                                                                                                      و {السماء} : تقع للواحد والجميع; ولذلك قال: فسواهن سبع سماوات .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة أي: واذكر إذ قال ربك للملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو مردود إلى قوله: اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ، فالمعنى: الذي خلقكم إذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد (الملائكة) : ملك، وأصله: (ملأك) ، مقلوب من (مألك) ، مشتق من (ألك) ؛ إذا أرسل، فجمع على القلب، فهو (معافلة) مقلوب عن (مفاعلة) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 169 ] والواحد عند ابن كيسان: (ملأك) ، على أن الهمزة زائدة كزيادتها في (شمأل) ، والميم فاء، مشتق من (ملكت) ، فـ (ملائكة) على هذا: (فعائلة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو عند أبي عبيدة من (لأك) ؛ إذا أرسل، لغة محكية، فلا قلب فيه، فواحده مخفف من (ملأك) مثل: (مفعل) ، و (ملائكة) : (مفاعلة) ، وهذا اختيار أبي الفتح، و (مألكة) ، و (ألوك) ، و (ألك) عنده مقلوب، قد قدمت عينه، وأخرت فاؤه.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الهاء) في (الملائكة) للمبالغة، وكذلك هي في {خليفة} .

                                                                                                                                                                                                                                      و {خليفة} قيل: هي بمعنى: خالفة; أي: خلف من الجن الذين كانوا في [ ص: 170 ] الأرض، أو يخلف بعض ذريته بعضا، وقيل: هو بمعنى مفعول; أي: تخلفه ذريته.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك : الألف في {أتجعل} : بمعنى استعلام الحكمة في خلق الخليفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنهم قالوا ذلك; لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم، فأفسدوا، وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم، وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال، فمن حينئذ دخلته العزة، فكأنهم قالوا: أتجعل فيها هذا الخليفة كمن كان قبله، أو على غير تلك الحال؟

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكونوا قدروا أن يكون الخليفة كمن كان قبله، فسألوا عن وجه الحكمة في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على معنى التعجب، كقولك: (أتكرم فلانا وهو يؤذيك؟!) .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : كان الله تعالى قد أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلفاء; أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوه حين قال: إني جاعل في الأرض خليفة : أهو الذي [ ص: 171 ] أعلمهم أم غيره؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك أم تتغير عن ذلك؟و (السفك) : الصب، ولا يستعمل إلا في الدم، وقد يستعمل في نثر الكلام; يقال: (سفك الكلام) ؛ إذا نثره.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد {الدماء} : دم، محذوف اللام، قيل: أصله (دمي) ، وقيل: (دمي) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى نسبح بحمدك : ننزهك عن السوء، ونبرئك منه، وأصله من (السبح) الذي هو: الجري، والمسبح جار في تنزيه الله تعالى وتبرئته من السوء، ولا يستعمل التسبيح إلا لله عز وجل; إذ قد صار علما لغاية التعظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التقديس) : التطهير، فقيل: معنى ونقدس لك : نطهرك مما ينسبك إليه الملحدون، وقيل: نطهر أنفسنا لك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال إني أعلم ما لا تعلمون قيل: علم من إبليس المعصية، وخلقه لها، عن ابن عباس، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : علم أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء، وصالحون، وساكنو الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية