الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها أصل (النسخ): إبدال الشيء من غيره، وهو على ضروب:

                                                                                                                                                                                                                                      نسخ الرسم وبقاء الحكم؛ [نحو الآيات التي كانت تقرأ في الأحزاب]).

                                                                                                                                                                                                                                      ونسخ الحكم وبقاء الرسم؛ وهو الذي أذكره في مواضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      ونسخ الحكم والرسم جميعا؛ نحو ما روي من عشر رضعات.

                                                                                                                                                                                                                                      ويكون النسخ تحويل الخط من كتاب إلى كتاب، وقد بينت ذلك كله في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      [وقوله: (أو ننسها): يحتمل أن يكون من النسيان الذي هو ضد الذكر، أو من الذي بمعنى الترك]، ومن قرأ: (ننسها) ؛ فـ (النسيء) بالهمز: التأخير.

                                                                                                                                                                                                                                      والآية تختلف في معناها: [ ص: 314 ] فمن قرأ: (أو ننسها) ؛ فقد قيل: إن المعنى: ما ننسخ من حكم آية ونبق رسمها، أو ننسها -بمعنى: النسيان الذي هو ضد الذكر، كما قال تعالى: سنقرئك فلا تنسى [الأعلى: 6] - نأت بخير منها أو مثلها؛ (بخير منها) يعني: بخير منها لنا في العاجل، أو في الآجل؛ لأنها إن كانت أخف؛ كانت خيرا لنا في العاجل، وإن كانت أثقل؛ كانت خيرا لنا في الآجل؛ لكثرة ثوابها.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون معنى (أو ننسها): نأمركم بتركها؛ أي: ترك العمل بها، روي معناه عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قيل: إن معنى النسخ ههنا: نسخ الرسم وبقاء الحكم، وقيل:

                                                                                                                                                                                                                                      نسخها جميعا، على ما أوضحته من بيان ذلك في الكبير.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: (أو ننسها) على هذه القراءة: تقدير حذف المفعول الأول، والمعنى: أو ننسكها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (أو ننسئها) ؛ فقد قيل: إن المعنى: ما ننسخ من حكم آية، أو نؤخرها من التلاوة ونبق حكمها؛ نأت بخير منها أو مثلها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 315 ] وقيل: المعنى: "ما ننسخ من حكم آية، أو نؤخرها فلا ننسخ حكمها؛ نأت بخير منها، أو ننزل) مثلها" ]، روي معناه عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس : فيه تقديم وتأخير، والمعنى: (ما ننسخ): ما نبدل من حكم آية؛ نأت بخير منها أي: بأنفع منها لكم، (أو مثلها)، [أو نؤخرها فلا ننسخها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما نرفع من آية، أو نؤخرها فلا نرفعها؛ نأت بخير منها] أو مثلها، وهذا إنما يصح أيضا على ما تقدم من تقدير التقديم والتأخير.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: إن معنى، (نأت بخير منها): نأت منها بخير].

                                                                                                                                                                                                                                      ويعتر هذا القول بعطف (أو مثلها) على (بخير منها).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن النسخ ههنا بمعنى: تحويل الخط، ومعناه: ما ننسخ من آية من اللوح المحفوظ، أو نؤخرها فلا ننسخها.

                                                                                                                                                                                                                                      فالمنسوخ على هذا جميع القرآن، وليس هذا القول بقوي؛ لأن ظاهره يوجب الإتيان بخير من المنسوخ والمتروك، وذلك مستحيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وما في ذلك من القراءات مذكور معانيه فيما بعد.

                                                                                                                                                                                                                                      ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير : لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، ويجوز أن يكون تنبيها للأمة، والخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام خطاب لأمته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 316 ] أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل : يجوز أن تكون [ (أم) مردودة على (ألم تعلم)، على أن يكون معناه: (ألم تعلموا)، ويجوز أن تكون] منقطعة، وإذا كانت كذلك؛ كان المعادل للاستفهام في قول من جعل معناه: (ألم تعلموا) محذوفا، كأنه قال: (ألم تعلموا أم علمتم).

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى كما سئل موسى من قبل : سؤالهم إياه: أن يريهم الله جهرة، وسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالله والملائكة قبيلا، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال: "هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل"، فأبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد ضل سواء السبيل أي: ذهب عن قصد الطريق؛ يعني: طريق طاعة الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : سبب نزول الآية: أن رافع بن حريملة، ووهب بن زيد؛ قالا للنبي عليه الصلاة والسلام: ائتنا بكتاب من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارا؛ نتبعك .

                                                                                                                                                                                                                                      ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم [ ص: 317 ] يجوز أن يكون قوله: (من عند أنفسهم) متعلقا بقوله: (حسدا) ؛ فيوقف على قوله: (كفارا)، ولا يوقف على قوله: (حسدا).

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون متعلقا بـ(ودا) ؛ فلا يوقف على قوله: (كفارا)، ولا يوقف على قوله: (حسدا)، والمعنى: أنهم فعلوه من عند أنفسهم ولم يؤمروا به.

                                                                                                                                                                                                                                      والآية في اليهود، وقيل: إنها نزلت في حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وأصحابهما من اليهود.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (العفو): ترك العقوبة، وكذلك (الصفح)، وأصله: أبديت له صفحة جميلة، و (الصفحة): ظاهر الشيء، وقيل: هو من صفحة الورقة، وتصفحت الكتاب؛ فمعناه: التجاوز عن الذنب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي: قالت كل فرقة منهم: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.

                                                                                                                                                                                                                                      و (هود) جمع: هائد؛ وهو التائب الراجع، وقيل: هو مصدر، وقيل: هو واحد، وحد على لفظ (من).

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : أصله: (يهودي)، حذفت الياء الأولى، وياء النسب.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال الله تعالى: قل هاتوا برهانكم ، و (البرهان): إقامة الدليل على الدعوى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 318 ] تلك أمانيهم أي: أقاويلهم، أو أباطيلهم وكذبهم، على ما قدمناه من القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي إلزامهم البرهان دليل على إثبات النظر، وإبطال التقليد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية