الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم : (أنتم): مبتدأ، و (تقتلون): الخبر، (هؤلاء): تخصيص للمخاطبين لما نبهوا على الحال التي هم عليها مقيمون، قاله ابن كيسان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (هؤلاء): خبر (أنتم)، (تقتلون): حال من (أولاء) لا يستغنى عنها، ولم يستغن عن حال المبهم، كما لم يستغن عن نعته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (هؤلاء): نصب بإضمار: (أعني).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (هؤلاء) بمعنى: (الذين)، وهو خبر (أنتم)، وما بعده صلة له.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (هؤلاء) منادى، ولا يجيز هذا سيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      والتخفيف والتشديد في (تظاهرون) ظاهر الوجه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن يأتوكم أسارى : (أسرى) جمع أسير، و (أسير) بمعنى: مأسور، [ ص: 291 ] والباب في تكسيره إذا كان كذلك (فعيل).

                                                                                                                                                                                                                                      و (أسارى) على التشبيه بـ(كسالى)، كما قالوا: (كسلى) تشبيها بـ (أسرى).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ (تفدوهم) ؛ فلأنه من اثنين، وفي الكلام تقدير حذف المفعول الثاني بحرف الجر، التقدير: تفادوهم بالمال وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (تفدوهم) صيغ للواحد، وهو راجع إلى معنى الأول، وفيه أيضا تقدير حذف المفعول، كالأول.

                                                                                                                                                                                                                                      و وهو محرم عليكم إخراجهم : (هو): مبتدأ، وهو كناية عن الإخراج، أو عن الأمر، كما قدمناه؛ فإن كان كناية عن الإخراج؛ جاز أن يكون الخبر قوله: (محرم)، و (إخراجهم) بدل من (هو) وإن كان كناية عن الأمر؛ فـ (الإخراج): مبتدأ ثان، و (محرم): خبره، والجملة خبر عن (هو)، وفي (محرم) ضمير ما لم يسم فاعله يعود على (الإخراج).

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون (محرم) مبتدأ، ولا ضمير فيه، و (إخراجهم): مفعول ما لم يسم فاعله، يسد مسد خبر (محرم)، والجملة خبر عن (هو).

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز الكوفيون كون (هو) ههنا عمادا [ ص: 292 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : لأن الواو ههنا تطلب الاسم، وكل موضع تطلب فيه الاسم؛ فالعماد فيه جائز، ولم يجزه البصريون.

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم القيامة يردون : (يوم): منصوب بـ (يردون) والقول في الياء والتاء ظاهر، فلا حاجة بنا إلى ذكره، ولا إلى ذكر أمثاله.

                                                                                                                                                                                                                                      وإسكان السين من: (بالرسل) استثقال لتوالي الضمتين، واختصاص أبي عمرو المضاف إلى جماعة مكنين بالتخفيف؛ لأنه يتوالى فيه أربع حركات وذلك مستثقل؛ ولذلك لا يقع إلا في الشعر.

                                                                                                                                                                                                                                      وأيدناه بروح القدس من قرأ: (آيدناه) ؛ فهو (أفعلناه) من (الأيد) ؛ وهو القوة، والأصل: (أأدناه)، وصحت العين كما تصح في نحو: (أغيلت)، ولو أعل على حد (أقتت) [المرسلات: 11]، و (أحدت)، فألقيت حركة العين على الفاء، وحذفت العين؛ لوجب أن تنقلب الفاء واوا؛ [لتحركها وانفتاح ما قبلها]، [ ص: 293 ] كما انقلبت في (أواخر) و (أويخر)، [ثم تنقلب الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها]، فلما أدى القياس إلى إعلال الفاء والعين؛ صحح، ورفض الإعلال، ومن قرأ: (وأيدناه) ؛ عدل إلى (فعلت) ؛ فرارا من الإعلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في مثل: (القدس) و (القدس)، وتقدم القول أيضا في مثل (غلف) و (غلف).

                                                                                                                                                                                                                                      فقليلا ما يؤمنون : (قليلا): نعت لمصدر محذوف، التقدير: فإيمانا قليلا يؤمنون، على ما قدمناه في التفسير، أو على أنه نفى عنهم الإيمان؛ كقولك: (قل الشيء) ؛ أي: لم يوجد، و (ما): صلة للتوكيد، ولا تكون مع الفعل مصدرا؛ لأنه لا رافع له.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب قتادة : أن المعنى: فقليلا منهم من يؤمن، وأنكره النحويون وقالوا: لو كان كذلك؛ للزم رفع (قليل)، وأجازه أبو علي، على أن يكون المعنى: (فلا يؤمنون إلا نفرا قليلا) ؛ فيكون حالا، ويراد به قلة العدد، كما قال: [ ص: 294 ] وما آمن معه إلا قليل [هود: 40].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية