الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (9) قوله : أرأيت الذي : قد تقدم لك الكلام على هذا الحرف مستوفى، وللزمخشري هنا كلام رأيت ذكره لخصوصية تتعلق به قال: "فإن قلت: ما متعلق "أرأيت"؟ قلت: "الذي ينهى" مع الجملة الشرطية وهما في موضع المفعولين. فإن قلت: فأين جواب الشرط؟ قلت: هو محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت: كيف صح أن يكون" ألم يعلم "جوابا للشرط؟ قلت: كما صح في قولك: إن أكرمتك أتكرمني، وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت: فما أرأيت الثانية وتوسطها بين معفولي "أرأيت"؟ [ ص: 59 ] قلت: هي زائدة مكررة للتوكيد". قلت: وإذ قد تعرض للكلام في هذه الآية فلنجر معه:

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أن "أرأيت" كما علمت لا يكون مفعولها الثاني إلا جملة استفهامية كقوله: أرأيتم إن أتاكم عذابه إلى آخرها. ومثله كثير، وهنا "أرأيت" ثلاث مرات، وقد صرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية فتكون في موضع المفعول الثاني لها، ومفعولها الأول محذوف، وهو ضمير يعود على "الذي ينهى" الواقع مفعولا أول لـ "أرأيت" الأولى، ومفعول "أرأيت" الأولى الذي هو الثاني محذوف، وهو جملة استفهامية، كالجملة الواقعة بعد "أرأيت" الثالثة ، وأما "أرأيت" الثانية فلم يذكر لها مفعول لا أول ولا ثان، حذف الأول لدلالة المفعول من "أرأيت" الأولى عليه، وحذف الثاني لدلالة مفعول "أرأيت" الثالثة عليه، فقد حذف الثاني من الأولى، والأول من الثالثة، والاثنان من الثانية. وليس طلب كل من "أرأيت" للجملة الاسمية على سبيل التنازع لأنه يستدعي إضمارا، والجمل لا تضمر، إنما تضمر المفردات، وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة. وأما الكلام على الشرط مع "أرأيت" هذه فقد عرفته مما في الأنعام ، فلا نطيل الكلام بإعادته. وتجويز الزمخشري وقوع جواب الشرط استفهاما بنفسه لا يجوز، بل نصوا على وجوب ذكر الفاء في مثله، وإن ورد شيء فهو ضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية