الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3782 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال : ثنا موسى بن أعين ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقتل المحرم الحية ، والعقرب ، والفأرة الفويسقة .

                                                        قال يزيد : وعد غير هذا ، فلم أحفظ .

                                                        قال : قلت : ولم سميت الفأرة ( الفويسقة ؟ ) قال : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، وقد أخذت فأرة فتيلة ، لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت .

                                                        [ ص: 167 ] فقام إليها فقتلها ، وأحل قتلها لكل محرم أو حلال .

                                                        فهذا ما أباح النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم قتله في إحرامه ، وأباح للحلال قتله في الحرم ، وعد ذلك خمسا .

                                                        فذلك ينفي أن يكون حكم أشكال شيء من ذلك ، كحكم هذه الخمس ، إلا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عناه .

                                                        فإن قال قائل : فقد رأينا الحية مباحا قتلها في ذلك كله ، وكذلك جميع الهوام ، فإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك العقرب خاصة ، فجعلتم كل الهوام كذلك ، فما تنكرون أن يكون السباع كذلك أيضا ، فيكون ما ذكر إباحة قتله منهن إباحة مثله لقتل جميعهن ؟

                                                        قيل له : قد أوجدناك عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا في الضبع ، وهي من السباع ، أنها غير داخلة فيما أباح قتله من الخمس .

                                                        فثبت بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد قتل سائر السباع بإباحته قتل الكلب العقور ، وإنما أراد بذلك خاصا من السباع ، ثم قد رأيناه أباح مع ذلك أيضا قتل الغراب والحدأ ، وهما من ذوي المخلب من الطير ، وقد أجمعوا أنه لم يرد بذلك كل ذي مخلب من الطير ؛ لأنهم قد أجمعوا أن العقاب والصقر والبازي ذو مخلب ، وأنهم غير مقتولين في الحرم ، كما يقتل الغراب والحدأ .

                                                        وإنما الإباحة من النبي صلى الله عليه وسلم لقتل الغراب والحدأ عليهما خاصة ، لا على ما سواهما من كل ذي مخلب من الطير .

                                                        وأجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل العقرب في الإحرام والحرم .

                                                        وأجمعوا أن جميع الهوام مثلها ، وأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة قتل العقرب ، إباحة قتل جميع الهوام ، فذو الناب من السباع بذي المخلب من الطير أشبه منه بالهوام مع ما قد بين ذلك ، وشده ما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الضبع .

                                                        فإن قال قائل : إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الضبع كما ذكرت ؛ لأنها تؤكل ، فأما ما كان لا يؤكل من السباع فهو كالكلب . قيل له : قد غلطت في التشبيه ؛ لأنا قد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح قتل الغراب والحدأة والفأرة ، وأكل لحوم هؤلاء مباح عندكم ، فلم يكن إباحة أكلهن مما يوجب حرمة قتلهن .

                                                        فكذلك الضبع ليس إباحة أكلها أوجب حرمة قتلها ، وإنما منع من قتلها أنها صيد ، وإن كانت سبعا فكل السباع كذلك إلا الكلب الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم ، بما خصه به .

                                                        فإن قال قائل : فكيف تكون سائر السباع كذلك ، وهي لا تؤكل ؟ [ ص: 168 ] قيل له : قد يكون من الصيد ما لا يؤكل ، ومباح للرجل صيده ليطعمه كلابه ، إذا كان في الحل حلالا .

                                                        وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الحية أيضا في الحرم ما .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية