الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4116 - حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا حسين بن مهدي ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن مسعود بن الحكم الأنصاري ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى ، فيصيح في الناس : ألا لا يصومن أحد ؛ فإنها أيام أكل وشرب .

                                                        قال : فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك .

                                                        قالوا : فلما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام أيام التشريق ، وكان نهيه عن ذلك بـ ( منى ) والحجاج مقيمون بها ، وفيهم المتمتعون والقارنون ، ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا ، دخل المتمتعون والقارنون في ذلك النهي أيضا .

                                                        فإن قال قائل : فلم صار هذا أولى مما رويتم في أول هذا الباب ؟ قيل له : من قبل صحة ما جاء في هذا ، وتواتر الآثار به ، وفساد ما جاء في الفصل الأول .

                                                        من ذلك ، حديث يحيى بن سلام ، عن شعبة ، فهو حديث منكر ، لا يثبته أهل العلم بالرواية ؛ لضعف يحيى بن سلام عندهم ، وابن أبي ليلى ، وفساد حفظهما ، مع أني لا أحب أن أطعن على أحد من العلماء بشيء ، ولكن ذكرت ما تقول أهل الرواية في ذلك .

                                                        [ ص: 247 ] ومن ذلك حديث يزيد بن سنان الذي ذكرناه من بعده ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وعائشة رضي الله عنها ، أنهما قالا : ( لم يرخص لأحد في صوم أيام التشريق إلا لمحصر أو متمتع ) .

                                                        فقولهما ذلك ، يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ، ما قال الله عز وجل في كتابه : فصيام ثلاثة أيام في الحج ، فعداها أيام التشريق ، من أيام الحج فقالا : رخص للحاج المتمتع والمحصر في صوم أيام التشريق لهذه الآية .

                                                        ولأن هذه الأيام ، عندهما ، من أيام الحج ، وخفي عليهما ما كان من توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من بعد ، على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك .

                                                        فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                        وأما من طريق النظر فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن يوم النحر لا يصام فيه شيء من ذلك ، وهو إلى أيام الحج أقرب من أيام التشريق ، لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن صومه ، مما سنذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى .

                                                        فكما كان نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك يدخل فيه المتمتعون والقارنون والمحصرون ، كان كذلك نهيه عن صيام أيام التشريق ، يدخلون فيه أيضا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية