الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5174 (وقال أبو الدرداء في المري: ذبح الخمر النينان والشمس)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي، والمري بضم الميم وسكون الراء وتخفيف الياء، وكذا ضبطه النووي، وقال: ليس عربيا وهو يشبه الذي يسميه الناس الكامخ بإعجام الخاء، وقال الجواليقي: التحريك لحن، وقال الجوهري: بكسر الراء وتشديدها وتشديد الياء كأنه منسوب إلى المرارة، والعامة يخففونه، وقال الحربي: هو مري يعمل بالشام يؤخذ الخمر فيجعل فيها الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير طعمه إلى طعم المري، يقول: كما أن الميتة والخمر حرامان والتذكية تحل الميتة بالذبح فكذلك الملح.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والنينان" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وتخفيف النون الثانية وهو جمع نون وهو الحوت، ثم تفسير كلام أبي الدرداء بقوله في المري مقدم لفظا، ولكن في المعنى متأخر، تقديره: ذبح الخمر النينان [ ص: 108 ] والشمس في المري، وذبح فعل ماض على صيغة المعلوم، والخمر منصوب به لأنه مفعول، والنينان بالرفع فاعله، والشمس عطف عليه، وقيل: لفظ "ذبح" مصدر مضاف إلى الخمر فيكون مرفوعا بالابتداء وخبره هو قوله النينان، والمعنى زوال الخمر في المري النينان والشمس أي تطهيرها، فهذا يدل على أن أبا الدرداء ممن يرى جواز تخليل الخمر، وهو مذهب الحنفية، وقال أبو موسى في (ذيل الغريب) عبر عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وإزالتهما طعمها ورائحتها بالذبح، وإنما ذكر النينان دون الملح؛ لأن المقصود من ذلك يحصل بدونه ولم يرد أن النينان وحدها هي التي خللته، وقال: كان أبو الدرداء يفتي بجواز تخليل الخمر فقال: إن السمك بالآلة التي أضيفت إليه تغلب على ضراوة الخمر وتزيل شدتها، والشمس تؤثر في تخليلها فتصير حلالا، قال: وكان أهل الريف من الشام يعجنون المري بالخمر وربما يجعلون فيه السمك الذي يربى بالملح والأبزار مما يسمونه الصحناء، والقصد من المري هضم الطعام، يضيفون إليه كل ثقيف أو حريف ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلون هذا المري المعمول بالخمر قال: وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر يريد أن السمك طاهر حلال وأن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى تصير الحرام النجسة بإضافتها إليه طاهرة حلالا، وفي (التوضيح): وكان أبو هريرة وأبو الدرداء وابن عباس وغيرهم من التابعين يأكلون هذا المري المعمول بالخمر ولا يرون به بأسا، ويقول أبو الدرداء: إنما حرم الله الخمر بعينها وسكرها وما ذبحته الشمس والملح فنحن نأكله ولا نرى به بأسا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية