الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5096 38 - حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن إسماعيل، عن قيس، عن سعد قال: رأيتني سابع سبعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، أو الحبلة حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام خسرت إذا وضل سعيي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إشعارا لبيان ما كان - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في قلة من العيش مع القناعة والرضا بما قسم الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وسعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة، ووقع في التوضيح عن قيس بن سعد، عن أبيه كأنه توهمه أنه قيس بن سعد بن عبادة، وهو غلط فاحش، ووقع في رواية مسلم، عن قيس سمعت سعد بن أبي وقاص.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في مناقب سعد، فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عون، عن خالد، عن عبد الله، عن إسماعيل، عن قيس قال: سمعت سعدا... إلى آخره، وفي آخره: وكانوا وشوا به إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - قالوا: لا يحسن يصلي، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "رأيتني" أي: رأيت نفسي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سابع سبعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -" أراد به أنه كان قديم الإسلام، وأنه سابع من أسلم أولا، ووقع عند أبي خيثمة هؤلاء السبعة وهم: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وزيد بن حارثة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ما لنا طعام إلا ورق الحبلة" أشار به إلى أنهم كانوا في ذلك الوقت في قلة وضيق معيشة، ولم يكن طعامهم إلا من ورق الحبلة -بفتح الحاء وسكون الباء الموحدة- وهو ثمر السمر يشبه اللوبيا، وقيل: ثمر العضاه، وهو شجر له شوك كالطلح والعوسج.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو الحبلة" شك من الراوي، وهو بضم الحاء والباء معا، ولم يقع عند الأصيلي إلا الأول، والحبلة بفتحتين ورق الكرم. وقال الجوهري: وربما سكن الباء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم أصبحت بنو أسد" قيل: أراد به قبيلة عمر - رضي الله تعالى عنه - إذ هو من بني أسد كذا نقله الكرماني، وهو غير صحيح، ولكنه معذور; لأنه نقله من كلام ابن بطال حيث قال: وعمر بن الخطاب من بني أسد، وهذا خلاف الإجماع على أن عمر - رضي الله تعالى عنه - من رهط عدي بن كعب وليسوا من بني أسد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "تعزرني" ويروى يعزروني من التعزير بمعنى التأديب، أي: يؤدبونني على الإسلام ويعلمونني أحكامه، وذلك أنهم كانوا وشوا به إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - حتى قالوا: لا يحسن يصلي. وأصل التعزير التأديب، ولهذا يسمى الضرب دون الحد التعزير.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خسرت إذا" جواب وجزاء، أي: إن كنت كما قالوا محتاجا إلى تأديبهم وتعليمهم خسرت حينئذ [ ص: 52 ] وضل سعيي فيما تقدم.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما وجه قول سعد: ما لنا طعام إلا ورق الحبلة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع مما أفاء الله عليه من النضير وفدك قوته وقوت عياله لسنة، وأنه كان يعطي الأعطية التي لا يذكر مثلها عمن تقدم من الملوك مع كونه بين أرباب الأموال العظام، كأبي بكر وعثمان وشبههما، وكذلك قول عائشة: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال حتى قبض، وشبهه مما جاء مثل ذلك؟

                                                                                                                                                                                  قلت: قال الطبري - رحمه الله -: كان ذلك حينا بعد حين; لأن من كان منهم ذا مال كان مستغرقا في نوائب الحقوق ومواساة الضيفان حتى يقل كثيره أو يذهب جميعه، فغير مستنكر لهم ضيق الحال التي يحتاجون معها إلى الاستسلاف وأكلهم الحبلة، كما قال سعد - رضي الله تعالى عنه - وأما قول عائشة فوجهه أن البر كان قليلا عندهم، فغير نكير أن يؤثر - صلى الله عليه وسلم - أهل بلده من الشعير والتمر ويكره أن يخص نفسه بما لا سبيل للمسلمين إليه من الغذاء، وهذا هو الأشبه بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وأما ما روي من أنه لم يشبع من خبز الشعير، فإن ذلك لم يكن لعوز ولا لضيق في غالب أحواله; لأن الله تعالى أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها، ونقل إليه الخراج من أكثر بلاد العجم، ولكن بعضه لإيثار نوائب الحق، وبعضه كراهية منه للشبع وكثرة الأكل.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف جاز لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن التواضع؟

                                                                                                                                                                                  قلت: إذا اضطر المرء إلى التعريف بنفسه حسن، قال الله عز وجل حاكيا عن يوسف - عليه السلام -: إني حفيظ عليم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية