الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5342 27 - حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكرياء، أخبرنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "وارأساه" ويحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن أبو زكريا التميمي الحنظلي النيسابوري، وهو شيخ مسلم أيضا، وليس له في البخاري إلا مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحكام، وأكثر عنه مسلم، ويقال: إنه تفرد بهذا الإسناد. وقال الدمياطي: وكان من العباد الزهاد الفضلاء. وقال البخاري: مات يوم الأربعاء سلخ صفر سنة ست وعشرين ومائتين، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ذاك" بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي: لو مت وأنا حي وأنا أستغفر لك، وفي رواية عبد الله بن عتبة "لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك".

                                                                                                                                                                                  قوله: "واثكلياه" مندوب.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: "واثكلياه" بضم الثاء المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبالياء الخفيفة، وبعد الألف هاء ندبة. قلت: ليس كذلك لأن "ثكلياه" لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو صفة للمرأة التي فقدت ولدها، فإن كان مصدرا فالثاء مضمومة واللام مكسورة، وإن كان اسما فالثاء مفتوحة واللام كذلك، يقال: ثكلته أمه ثكلا بالضم، والثكل فقدان المرأة ولدها، وكذلك الثكل بفتحتين، وامرأة ثاكل وثكلى، وأثكله الله أمه، وهذا لا يراد به حقيقته، بل هو كلام كان يجري على لسانهم عند إصابة مصيبة أو خوف مكروه، ونحو ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إني لأظنك تحب موتي" كأنها أخذت ذلك من قوله لها: "لو مت قبلي".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولو كان ذاك" هكذا رواية الكشميهني بغير اللام، وفي رواية غيره ذلك باللام، وهو إشارة إلى موتها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لظللت" بكسر اللام.

                                                                                                                                                                                  قوله: "معرسا" بضم الميم وسكون العين وكسر الراء من أعرس بأهله إذا بنى بها وكذلك إذا غشيها، ويروى بتشديد الراء من التعريس يقال: أعرس وعرس بمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بل أنا وارأساه" أتى بكلمة إضراب; لأن معناه: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي; إذ لا بأس بك وأنت تعيشين بعدي، عرف صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك بالوحي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو أردت" شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى أبي بكر وابنه" كذا في رواية الأكثرين بعطف لفظ الابن عليه، ووقع في رواية مسلم "أو ابنه" بكلمة "أو" التي هي للشك أو للتخيير، ويروى "إلى أبي بكر أو آتيه" من الإتيان بمعنى المجيء، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه، وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم "ادعي لي أباك وأخاك" وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا; لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأعهد" أي: أوصي بالخلافة له يقال: عهدت إليه أي: أوصيته.

                                                                                                                                                                                  قيل: ما فائدة ذكر الابن إذ لم يكن له دخل في الخلافة؟

                                                                                                                                                                                  وأجيب بأن المقام مقام استمالة قلب عائشة، يعني: أن الأمر مفوض إلى والدك، كذلك الايتمار في ذلك بحضور أخيك وأقاربك هم أهل أمري وأهل مشورتي، أو لما أراد تفويض الأمر إليه بحضورها أراد إحضار بعض محارمه حتى لو احتاج إلى رسالة إلى أحد أو قضاء حاجة لتصدى لذلك. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن يقول القائلون" أي: كراهة أي يقول القائلون: الخلافة لفلان أو [ ص: 224 ] لفلان، أو واحد منهم يقول: الخلافة لي. وكلمة "أن" مصدرية، ويقول القائلون محذوف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو يتمنى المتمنون" أي: الخلافة أعينه قطعا للنزاع، وقال صاحب التوضيح ناقلا عن ابن التين: ضبط في غير كتاب بفتح النون، يعني النون التي في "المتمنون" وإنما هو بضمها; لأن أصله المتمنيون على زنة "المتطهرون" فاستثقلت الضمة على الياء، فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء كذلك، وضمت النون لأجل الواو; إذ لا يصح واو قبلها كسرة، وتبع هذا الكلام بعضهم في شرحه.

                                                                                                                                                                                  قلت: ضبط النون بالفتح هو الصواب، وهو الأصل، كما في قولك "المسمون" إذ لا يقال فيه بضم الميم، وتشبيه القائل المذكور "المتمنون" بقوله: "المتطهرون" غير مستقيم; لأن هذا صحيح وذاك معتل اللام، وكل هذا عجز وقصور عن قواعد علم الصرف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يأبى الله" لغير أبي بكر "ويدفع المؤمنون" غيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو يدفع" إلى آخره شك من الراوي في التقديم والتأخير.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية