الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5266 13 حدثنا أحمد بن أبي رجاء، حدثنا يحيى، عن أبي حيان التيمي، عن الشعبي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل، وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا.

                                                                                                                                                                                  قال: قلت: يابا عمرو، فشيء يصنع بالسند من الرز؟ قال: ذاك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: على عهد عمر. وقال حجاج، عن حماد، عن أبي حيان مكان العنب "الزبيب".

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله (والخمر ما خامر العقل) وأحمد بن أبي رجاء بالجيم اسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وأبو حيان بفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء آخر الحروف، وبالنون، واسمه يحيى بن سعيد التيمي، والشعبي عامر بن شراحيل.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في تفسير سورة المائدة، فإنه أخرجه هناك إلى قوله: (والخمر ما خامر العقل) وأخرجه أيضا في الاعتصام، وأخرجه بقية الجماعة غير ابن ماجه، ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قد نزل تحريم الخمر) أراد به عمر رضي الله تعالى عنه نزول الآية المذكورة في أول كتاب الأشربة، وهي آية المائدة يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: أراد عمر رضي الله تعالى عنه التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها.

                                                                                                                                                                                  قلت: نعم، يتناول غير المتخذ من العنب من حيث التشبيه لا من حيث الحقيقة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وهي من خمسة أشياء) جملة حالية لا تقتضي الحصر، ولا ينبغي إطلاق الخمرية على نبيذ الذرة والأرز وغيرهما، وقال الخطابي: إنما عد عمر رضي الله عنه هذه الأنواع الخمسة لاشتهار أسمائها في زمانه، ولم يكن يوجد بالمدينة الوجود العام، فإن الحنطة كانت عزيزة، والعسل مثلها أو أعز، فعد عمر رضي الله تعالى عنه ما عرف منها، وجعل ما في معناها مما يتخذ من الأرز وغيره خمر بمثابتها إن كان مما يخامر العقل ويسكر كإسكارها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والخمر ما خامر العقل) أي: غطاه وخالطه، ولم يتركه على حاله، وهو من مجاز التشبيه، وقال الكرماني: فيه دليل على إحداث الاسم بالقياس، وأخذه من طريق الاشتقاق.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا [ ص: 172 ] الباب فيه خلاف، وقيل: هذا تعريف بحسب اللغة لا بحسب العرف، فإنه بحسبه ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة.

                                                                                                                                                                                  قلت: لا نسلم أن هذا التعريف بحسب اللغة بل هو تعريف بحسب العرف، وهذا القائل عكس الأمر فيه ; لأن الأصل في خمر العنب رعاية المعنى اللغوي، وفي العرف لا يستعمل في غيره إلا بطريق المجاز.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وثلاث) قال بعضهم: هي صفة موصوف، أي: أمور أو أحكام.

                                                                                                                                                                                  قلت: الموجه أن يقال: أي ثلاث قضايا أو ثلاث مسائل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وددت) أي تمنيت، وإنما تمنى ذلك لأنه أبعد من محذور الاجتهاد فيه، وهو الخطأ فيه على تقدير وقوعه، ولو كان مأجورا عليه، فإنه يفوته بذلك الأجر الثاني، والعمل بالنص إصابة محضة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا) أي: حتى يبين لنا، وفي رواية مسلم: "عهدا ننتهي إليه".

                                                                                                                                                                                  قوله: (الجد) أي: الأول من الثلاث الجد، أي مسألة الجد في أنه يحجب الأخ أو ينحجب به أو يقاسمه، وفي قدر ما يرثه; لأن الصحابة اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، فروي عن عبيدة أنه قال: حفظت عن عمر رضي الله تعالى عنه في الجد سبعين قضية، كلها يخالف بعضها بعضا، وعن عمر أنه جمع الصحابة ليجتمعوا في الجد على قول، فسقطت حية من السقف فتفرقوا، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: أبى الله إلا أن يختلفوا في الجد. وقال علي رضي الله تعالى عنه: من أراد أن يفتح جراثيم جهنم فليقض في الجد. يريد أصولها، والجراثيم جمع جرثومة وهي الأصل. وقال أبو بكر، وابن الزبير، وابن عباس، وعائشة، وأبو موسى رضي الله عنهم: هو يحجب الإخوة، وبه قال أبو حنيفة، وقال زيد: هو كأحد الإخوة ما لم تنقصه المقاسمة، فإذا أنقصته أعطي الثلث، وقسموا للإخوة ما بقي، وبه قال مالك، وأبو يوسف، والشافعي، وروي عن علي رضي الله تعالى عنه: هو أخ معهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والكلالة) أي: والثاني من الثلاث مسألة الكلالة بفتح الكاف، وتخفيف اللام، وهو من لا ولد له ولا والد، قاله أبو بكر، وعمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، والمدنيون، والبصريون، والكوفيون، وروي عن ابن عباس: هو من لا ولد له، وإن كان له والد، وقال شيخنا أمين الدين في شرحه للسراجية: الكلالة تطلق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس يلد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من جهة الولد والوالد.

                                                                                                                                                                                  قال: وهو في الأصل مصدر بمعنى الكلال، وهو ذهاب القوة من الإعياء، فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد; لأنها بالإضافة إلى قرابتهما ضعيفة، وإذا جعل صفة للموروث أو الوارث، فبمعنى ذي كلالة كما يقال: فلان من قرابتي، أي: من ذي قرابتي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وأبواب من أبواب الربا) الثالث من الثلاث، وأبواب الربا كثيرة غير محصورة حتى قال بعضهم: لا ربا إلا في النسيئة، وقول عمر رضي الله عنه: وأبواب - يدل على أنه كان عنده نص في بعض أبوابه دون بعض، ولهذا تمنى معرفة البعض.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يابا عمرو) أصله يا أبا عمرو، حذفت الألف للتخفيف، وهو كنية الشعبي، والقائل بهذا أبو حيان التيمي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وشيء) مبتدأ تخصص بالصفة، وهو قوله: (يصنع) وخبره محذوف تقديره: وشيء يصنع بالسند من الأرز ما حكمه، والسند بكسر السين المهملة، وسكون النون، وبالدال المهملة، وهي بلاد بالقرب من الهند.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من الرز) ويروى من الأرز، قال الجوهري: الأرز حب، وفيه ست لغات: أرز، وأرز تتبع الضمة الضمة، وأرز وأرز مثل رسل ورسل، ورز، ورنز، وهي لعبد القيس.

                                                                                                                                                                                  قلت: وفيه لغة سابعة "أرز" بفتح الهمزة مع تخفيف الزاي كعضد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ذاك) أي: الذي يصنع من الرز لم يكن موجودا في المدينة أو معروفا على زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أو قال) شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وقال حجاج، عن حماد) أي: حجاج بن منهال، وهو شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن أبي حيان المذكور في الحديث.

                                                                                                                                                                                  (مكان العنب الزبيب) يعني روى هذا الحديث عن أبي حيان بهذا السند والمتن، فذكر الزبيب عوض العنب، وذكر البخاري هذا عن الحجاج مذاكرة، ووصله علي بن عبد العزيز في مسنده، عن حجاج بن منهال كذلك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية