الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  172 38 - حدثنا إسحاق ، قال: أخبرنا عبد الصمد ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، قال: سمعت أبي، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا من الأحاديث التي احتج بها البخاري على طهارة سؤر الكلب على ما يأتي في الأحكام.

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم ستة: الأول إسحاق بن منصور الكوسج على ما جزم به أبو نعيم في المستخرج ، وقال الكلاباذي والجياني: إسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم يرويان عن عبد الصمد، وقال الكرماني : إسحاق هذا هو ابن إبراهيم قلت: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج الحافظ أبو يعقوب التيمي المروزي نزيل نيسابور قال مسلم : ثقة مأمون أحد الأئمة، مات في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائتين، روى عنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأما إسحاق بن إبراهيم بن العلاء أبو يعقوب الحمصي روى عنه البخاري في الأدب، وقال النسائي : ليس بثقة، وإسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل أبو يعقوب المروزي روى عنه البخاري أيضا في الأدب، وعن يحيى ثقة، وإسحاق بن إبراهيم البغوي لؤلؤ ابن عم أحمد بن منيع روى عنه البخاري، ووثقه الدارقطني وجماعة وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الإمام أبو يعقوب الحنظلي النيسابوري الدارقطني المروزي الأصل المعروف بابن راهويه أحد الأعلام، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

                                                                                                                                                                                  الثاني عبد الصمد بن عبد الوارث تقدم.

                                                                                                                                                                                  الثالث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المزني العدوي مولى ابن عمر بن الخطاب تكلموا فيه لكنه صدوق هو من أفراد البخاري عن مسلم، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي .

                                                                                                                                                                                  الرابع أبوه عبد الله بن دينار مولى ابن عمر التابعي، وليس في كتب الستة سواه، نعم في ابن ماجه عبد الله بن دينار الحمصي وليس بقوي.

                                                                                                                                                                                  الخامس أبو صالح الزيات ذكوان وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                  السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث [ ص: 43 ] والإخبار والسماع والعنعنة، ومنها أن رواته ما بين مروزي وبصري ومدني، ومنها أن فيه تابعين وهما عبد الله بن دينار وأبو صالح.

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع في الشرب والمظالم والأدب، وأخرجه أيضا من طريق ابن سيرين "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي، فنزعت موقها فسقته فغفر لها" أخرجه في ذكر بني إسرائيل، وأخرجه مسلم في الحيوان، وأخرجه أبو داود في الجهاد.

                                                                                                                                                                                  ( بيان اللغات والإعراب ) قوله: يأكل الثرى بفتح الثاء المثلثة والراء مقصور وهو التراب الندي قاله الجوهري وصاحب الغريبين ، وفي المحكم الثرى التراب وقيل: التراب الذي إذا بل يصير طينا لازبا، والجمع أثراء ، وفي مجمع الغرائب أصل الثرى الندى، ولذلك قيل للعرق: ثرى ومعنى يأكل الثرى يلعق التراب.

                                                                                                                                                                                  قوله: من العطش أي من أجل العطش، فإن قلت: يأكل الثرى ما محله من الإعراب؟ قلت: نصب إما حال من "كلبا" أو صفة له، قال الكرماني : قلت: لا يجوز أن يكون حالا لأن الشرط أن يكون ذو الحال معرفة، وهاهنا نكرة، ولا يجوز أيضا أن يكون مفعولا ثانيا; لأن الرؤية بمعنى الإبصار.

                                                                                                                                                                                  قوله: فجعل من أفعال المقاربة وهي ما وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولا أو أخذا فيه، والضمير فيه اسمه.

                                                                                                                                                                                  وقوله: يغرف جملة خبره أي طفق يغرف له.

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعاني ) قوله: حتى أرواه أي جعله ريان قوله: فشكر الله له والشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال: شكرته وشكرت له وباللام أفصح، والمراد هاهنا مجرد الثناء أي: فأثنى الله تعالى عليه، أو المراد منه الجزاء إذ الشكر نوع من الجزاء أي فجزاه الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : إدخال الجنة هو نفس الجزاء فما معنى الثناء؟ قلت: هو من باب عطف الخاص على العام أو الفاء تفسيرية نحو فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم على ما فسر به من أن القتل كان نفس توبتهم، فإن قلت : هذه القصة متى وقعت؟ قلت: هذه من الوقائع التي وقعت في زمن بني إسرائيل، فلذلك قال: إن رجلا ولم يسم.

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) الأول فيه الإحسان إلى كل حيوان بسقيه أو نحوه، وهذا في الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله، ولا يناقض هذا ما أمرنا بقتله أو أبيح قتله، فإن ذلك إنما شرع لمصلحة راجحة ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة.

                                                                                                                                                                                  الثاني: فيه حرمة الإساءة إليه وإثم فاعله، فإنه ضد الإحسان المؤجر عليه، وقد دخلت تلك المرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت.

                                                                                                                                                                                  الثالث: قال بعض المالكية: أراد البخاري بإيراد هذا الحديث طهارة سؤر الكلب; لأن الرجل ملأ خفه وسقاه به ولا شك أن سؤره بقي فيه، وأجيب بأنه ليس فيه أن الكلب شرب الماء من الخف; إذ قد يجوز أن يكون غرفه به ، ثم صب في مكان غيره أو يمكن أن يكون غسل خفه إن كان سقاه فيه، وعلى تقدير أن يكون سقاه فيه لا يلزمنا هذا; لأن هذا كان في شريعة غيرنا على ما رواه النسائي، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : أقول فيه دغدغة إذ لا يعلم منه أنه كان في زمن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان قبلها أو كان بعدها قبل ثبوت حكم سؤر الكلاب، أو أنه لم يلبس بعد ذلك أو غسله قلت: لا حاجة إلى هذا الترديد، فإنه روي عن أبي هريرة أنه كان في شريعة غيرنا على ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  الرابع يفهم منه وجوب نفقة البهائم المملوكة على مالكها بالإجماع.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية