الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8663 - من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (حم م 4) عن أبي هريرة - (صح)

[ ص: 125 ]

التالي السابق


[ ص: 125 ] (من دعا إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح، ونكره ليشيع فيتناول الحقير كإماطة الأذى عن الطريق (كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) فهبه ابتدعه أو سبق إليه لأن اتباعهم له تولد عن فعله الذي هو من سنن المرسلين (لا ينقص ذلك) الإشارة إلى مصدر كان (من أجورهم شيئا) دفع ما يتوهم أن أجر الداعي إنما يكون بالتنقيص من أجر التابع وضمه إلى أجر الداعي، فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره ويزاوله، يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه، قال البيضاوي : أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب والعقاب بذاتها، لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه، ولما كانت الجهة التي بها استوجب الجزاء المتسبب غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره شيئا، وكذا يقال فيما يأتي. إلى هنا كلام القاضي، وقال الطيبي: الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية، أو مطلق الإرشاد، وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال، وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدى، يطلق على ما قل وكثر والحقير والعظيم، فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا، وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى، ولهذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد، ولأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين (ومن دعا إلى ضلالة) ابتدعها أو سبق بها (فإن عليه من الإثم مثل آثام من تبعه) لتولده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان، والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه، كما يعاقب السكران على جنايته حال سكره، وإذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، فالله يعاقب على الأسباب المحرمة وما تولد منها كما يثيب على الأسباب المأمور بها وما تولد منها، ولهذا كان على قابيل القاتل لأخيه كفل من ذنب كل قاتل، ومر أن ذا لا يعارضه حديث " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث " لأنه نبه بتلك الثلاث على ما في معناها من كل ما يدوم النفع به للغير (ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) ضمير الجمع في "أجورهم" و "آثامهم" يعود لـ "من" باعتبار المعنى، فإن قيل: إذا دعا واحد جمعا إلى ضلالة فاتبعوه لزم كون السيئة واحدة وهي الدعوة مع أن هنا آثاما كثيرة، قلنا: تلك الدعوة في المعنى متعددة، لأن دعوى الجمع دفعة دعوة لكل من أجابها، فإن قيل: كيف التوبة مما تولد وليس من فعله والمرء إنما يتوب مما فعله اختيارا، قلنا: يحصل بالندم ودفعه عن الغير ما أمكن

[تنبيه] أخذ المقريزي من هذا الخبر أن كل أجر حصل للشهيد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بسببه مثله، والحياة أجر، فيحصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها زيادة على ما له من الأجر الخاص من نفسه على هذا المهتدي، وعلى ما له من الأجور على حسناته الخاصة من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها ولا يبلغون معاشر عشرها، فجميع حسنات المسلمين وأعمالهم الصالحة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة على ما له من الأجر، مع مضاعفة لا يحصيها إلا الله، لأن كل مهتد وعامل إلى يوم القيامة يحصل له أجر ويتجدد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر، ولشيخ شيخه مثلاه، وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية، وهكذا تضعف كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبذلك يعرف تفضيل السلف على الخلف، فإذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الأجر ألف وأربعة وعشرون، فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى الله عليه وسلم ألفين وثمانية وأربعين، وهكذا كلما ازدادوا واحدا يتضاعف ما كان قبله أبدا

(حم م 4 عن أبي هريرة ) ولم يخرجه البخاري .



الخدمات العلمية