الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1032 - "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ؛ وفاتحة " آل عمران " : الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ؛ (حم د ت هـ) ؛ عن أسماء بنت يزيد ؛ (صح).

التالي السابق


(اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين) ؛ وهما: (وإلهكم إله واحد) ؛ خطاب عام؛ أي: المستحق منكم للعبادة واحد؛ لا شريك له؛ فصح أن يعبد؛ ويسمى إلها؛ (لا إله إلا هو) ؛ تقرير للوحدانية؛ (الرحمن الرحيم) ؛ كالحجة عليها؛ فإنه لما كان مولى النعم كلها؛ أصولها وفروعها؛ وما سواه إما نعمة؛ أو منعم عليه؛ لم يستحق العبادة أحد غيره؛ (وفاتحة) ؛ سورة؛ (" آل عمران " : الـم الله لا إله إلا هو الحي) ؛ الحياة الحقيقية؛ التي لا موت معها؛ (القيوم) ؛ الذي به قيام كل شيء؛ وهو قائم على كل شيء؛ قال ابن عربي: وقد جعل أهل الله " هو" ؛ من ذكر خصوص الخصوص؛ لأنها أعرف من اسم الله؛ في أصل الوضع؛ لأنها لا تدل إلا على الذات المضمرة من غير اشتقاق؛ وإنما غلبوها على سائر المضمرات والإشارات؛ نحو: " أنت" ؛ و" ذا" ؛ [ ص: 511 ] لكونها ضمير غيب؛ فرأوا أن الحق لا يعلم؛ فهو غيب مطلق من تعلق العلم بحقيقته؛ فقالوا: حقيقة " هو" ؛ ترجع إلى هويته؛ التي لا يعلمها إلا هو؛ قال - أعني: ابن عربي - و" الرحمن الرحيم" ؛ اسم مركب؛ كـ " بعلبك" ؛ وقال حجة الإسلام في الجواهر: وهذا الخبر يشهد بأن الاسم الأعظم هو " الحي القيوم" ؛ وتحته سر مكنون؛ أهـ؛ وقال ابن عربي: الاسم الأعظم في آية الكرسي؛ وأول آية " آل عمران " ؛ وجاء في خبر آخر أن أعظم آية في القرآن: الله لا إله إلا هو ؛ قال القاضي: وذلك لأن شرف الآيات لشرف مدلولاتها؛ ورفعة قدرها؛ واشتمالها على الفوائد العظيمة؛ والعوائد الخطيرة؛ ثم بحسن النظم؛ ومزيد البيان والفصاحة؛ ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله (تعالى)؛ وصفاته؛ وأشرف العلوم وأعلاها قدرا؛ وأرفعها منارا؛ وأبقاها ذخرا؛ هو العلم الإلهي؛ الباحث عن ذاته - تقدس - وصفاته الذاتية السلبية؛ والثبوتية؛ وما يدل عليها من صنائعه؛ وأفعاله؛ وأن رجوع الخلق إليه؛ وحسابهم عليه؛ لا مرد لحكمه؛ ولا مانع من عذابه؛ وهذه الآية باعتبار معناها؛ وما يستفاد من مفهومها وفحواها؛ اشتملت على جملة ذلك مفصلا؛ أو مجملا؛ على طريقة التقدير والتحقيق؛ لا على منهج الدعوى؛ ومحض التقليد؛ ومن حيث إن اللفظ وقع في مجاز البلاغة؛ وحسن النظم والترتيب؛ موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ؛ وتتشعشع في معارضته فصاحة كل فصيح؛ وفي الاشتغال بذلك خروج عن المقصود؛ فمن أراد فليراجع كتب التفسير؛ أهـ؛ وقال الإمام الرازي؛ في لوامع البينات: منهم من قال: الاسم الأعظم " الحي القيوم" ؛ ويدل عليه وجهان: أحدهما أن أبي بن كعب طلب من المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يعلمه الاسم الأعظم؛ فقال: هو في قوله (تعالى): الله لا إله إلا هو الحي القيوم ؛ وفي: الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ؛ قالوا: وليس ذلك في قولنا: " الله لا إله إلا هو" ؛ لأن هذه الكلمة موجودة في آيات كثيرة؛ فلما خص الاسم الأعظم بهاتين الآيتين؛ علمنا أنه " الحي القيوم" ؛ الثاني: أن " الحي" ؛ يدل على كونه - سبحانه - عالما؛ متكلما؛ قادرا؛ سميعا؛ بصيرا؛ و" القيوم" ؛ يدل على أنه قائم بذاته؛ مقوم لغيره؛ ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد؛ ففي هذين الاسمين من صفات العظمة والكبرياء والإلهية؛ ما ليس في غيرهما؛ وذلك يقتضي أنهما أعظم الأسماء؛ وقال النابلسي في كفاية ذوي الألباب: إن " الحي القيوم" ؛ دعاء أهل البحر؛ إذا خافوا الغرق؛ وإن بني إسرائيل سألوا موسى الكليم عن الاسم الأعظم؛ فأوحى الله إليه أن مرهم أن يدعوني بـ " آهيا شراهيا" ؛ ومعناه: " الحي القيوم" ؛ قال: وكان عيسى - عليه الصلاة والسلام - إذا أراد أن يحيي الموتى؛ قال: " يا حي يا قيوم" .

(حم د ت هـ؛ عن أسماء ) ؛ بفتح الهمزة؛ (بنت يزيد) ؛ ابن السكن ؛ أم سلمة الأنصارية؛ صحابية جليلة؛ تأخرت وفاتها؛ حسنه الترمذي ؛ ورمز المصنف لصحته؛ مع أن فيه - كما قال المناوي وغيره - عبد الله بن أبي الزناد القداح؛ فيه لين؛ وقال أبو داود : أحاديثه مناكير؛ وضعفه ابن معين.



الخدمات العلمية