الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
438 - " إذا أسلم العبد؛ فحسن إسلامه؛ يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها؛ وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف؛ والسيئة بمثلها؛ إلا أن يتجاوز الله عنها " ؛ (خ ن) عن أبي سعيد ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أسلم العبد) ؛ أي: صار مسلما؛ بإتيانه بالشهادتين؛ وانقياده للأحكام؛ هذا ما في النسخ؛ وفي رواية: " إذا أسلم الكافر" ؛ وهذا الحكم يشترك فيه الرجال؛ والنساء؛ فذكره بلفظ المذكر تغليب؛ (فحسن إسلامه) ؛ أي: قرن الإيمان بحسن العمل؛ وقيل: بأن أخلص فيه؛ وصار باطنه كظاهره؛ واستحضر عند عمله قرب ربه منه؛ واطلاعه عليه؛ (يكفر الله عنه) ؛ بالرفع لأن " إذا" ؛ وإن كانت أداة شرط؛ لا تجزم؛ إلا في الضرورة؛ واستعمل الجواب مضارعا لأن الشرط بمعنى الاستقبال؛ وإن كانت بلفظ الماضي؛ ذكره ابن حجر وغيره؛ وقال الكرماني: الرواية إنما هي بالرفع؛ وإن جاز الجزم؛ قال الزمخشري : و" التكفير" : إماطة المستحق من العقاب؛ بثواب أزيد؛ أو بتوبة؛ وفي رواية: " كفر الله" ؛ فواخى بينهما؛ (كل سيئة كان زلفها) ؛ قال الخطابي : بالتخفيف؛ وقال النووي : بالتشديد؛ أي: قدمها؛ من " الزلف" ؛ وهو التقديم؛ وفي رواية النسائي : " أزلفها" ؛ أي: محا عنه كل خطيئة قدمها؛ على إسلامه؛ بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله؛ لكن الكلام في خطيئة متعلقة بحق الله (تعالى) من العقوبات؛ بخلاف الحق المالي؛ نحو كفارة ظهار؛ ويمين؛ وقتل؛ فإنه لا يسقط؛ (وكان بعد ذلك) ؛ أي: بعد ما علم من المجموع؛ أو بعد حسن الإسلام؛ (القصاص) ؛ المقاصصة؛ والمجازاة؛ وإتباع كل عمل بمثله؛ و" القصاص" : مقابلة الشيء بالشيء؛ أي: كل شيء يعمل يوضع في مقابلة شيء آخر؛ إن خيرا فخير؛ وإن شرا فشر؛ وهو بالرفع؛ اسم " كان" ؛ ويجوز جعلها تامة؛ وعبر بالماضي لتحقق الوقوع؛ ثم فسر القصاص بقوله: (الحسنة بعشر أمثالها) ؛ مبتدأ؛ وخبر؛ والجملة استئنافية؛ تقديره: " تكتب بعشر أمثالها" ؛ كما يدل له خبر: " اكتبوها لعبدي عشرا" ؛ (إلى سبعمائة ضعف) ؛ أي: [ ص: 281 ] منتهية إلى ذلك؛ وأخذ الماوردي بظاهر الغاية؛ فزعم أن نهاية التضعيف سبعمائة؛ ورد بعموم قوله (تعالى): والله يضاعف لمن يشاء ؛ وبخبر البخاري : " كتب الله له عشر حسنات؛ إلى سبعمائة ضعف؛ إلى أضعاف كثيرة" ؛ (والسيئة بمثلها) ؛ أي: فيؤاخذ بها؛ مؤاخذة مثلها؛ فلا يزاد عليها؛ فضلا منه (تعالى)؛ حيث جعل الحسنة بعشر؛ والسيئة كما هي؛ (إلا أن يتجاوز الله عنها) ؛ بقبول التوبة؛ أو بالعفو عن الجريمة؛ قال الطيبي: فقوله: " السيئة بمثلها" ؛ هو المراد بالقصاص؛ لأن المثلية معتبرة فيه؛ وأن السيئة هي التي تنقص؛ لا الحسنة؛ فيكون قوله: " الحسنة بعشر أمثالها" ؛ مستطردا؛ وتوطئة لذكر السيئة؛ وهذا التأويل أنسب؛ لأن القصاص في الشرع: مجازاة بمثل ما فعله؛ من نحو جرح؛ وقتل؛ فيؤخذ الجاني بما جنى منه؛ بغير زيادة؛ انتهى؛ وفي أول الحديث رد على من ينكر زيادة الإيمان؛ ونقصه؛ لأن الحسن تتفاوت درجاته؛ وفي آخره رد على الخوارج المكفرين بالذنوب؛ والمعتزلة الموقنين بخلود المؤمن في النار؛ وقال ابن حجر: ثبت في جميع الروايات ما سقط في رواية البخاري ؛ وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام؛ فقيل: أسقطه لإشكاله؛ لأن الكافر لا تصح عبادته؛ لفقد النية؛ ورده النووي بأن الذي عليه المحققون - بل حكي عليه الإجماع - أنه إذا فعل قربة؛ كصدقة؛ وصلة؛ ثم أسلم؛ أثيب عليها؛ قال ابن حجر: ويحتمل أن القبول يعلق على إسلامه؛ فإن أسلم؛ أثيب؛ وإلا فلا؛ وهذا أقوى.

(خ ن) ؛ وكذا الدارقطني ؛ في غرائب مالك ؛ والبزار ؛ وسمويه ؛ والإسماعيلي؛ والحسن بن أبي سفيان ؛ (عن أبي سعيد) ؛ الخدري ؛ وقضية صنيع المؤلف أن البخاري خرجه مسندا؛ وهو ذهول؛ بل علقه؛ فقال: وقال مالك : عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد ؛ يرفعه؛ انتهى؛ قال ابن حجر: ولم يوصله في موضع آخر من الكتاب؛ ووصله أبو ذر ؛ ورواه سمويه عنه بلفظ: " إذا أسلم العبد كتب الله له كل حسنة قدمها؛ ومحا عنه كل سيئة أزلفها" .



الخدمات العلمية