الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
48 - " ابدؤوا بما بدأ الله به " ؛ (قط)؛ عن جابر ؛ (صح).

التالي السابق


(ابدؤوا) ؛ بكسر الهمزة؛ أيها الأمة؛ في أعمالكم القولية والفعلية؛ (بما) ؛ أي: بالشيء الذي (بدأ الله به) ؛ في التنزيل؛ فيجب عليكم [ ص: 76 ] الابتداء في السعي بالصفا؛ لابتدائه به في قوله (تعالى): إن الصفا والمروة ؛ وفيه وجوب السعي؛ قال الكمال ابن الهمام: ورد بصيغتي الخبر؛ والأمر؛ وهو يفيد الوجوب؛ خصوصا مع ضم خبر: " خذوا عني مناسككم" ؛ انتهى؛ فهو عند الحنفية واجب؛ وعند الشافعي ركن؛ وهذا؛ وإن ورد على سبب؛ وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف؛ ثم سعى؛ فبدأ بالصفا؛ وقرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله ؛ ثم ذكره؛ فالعبرة بعموم اللفظ؛ لا بخصوص السبب؛ وقد كان الرسول يحافظ على تقديم كل مقدم؛ فقدم غسل الوجه في الوضوء؛ ثم؛ فثم؛ وزكاة الفطر على صلاة العيد؛ تقديما للمقدم في آية: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ؛ وبذلك اتضح استدلال الشافعية به على وجوب ترتيب الوضوء؛ وأخرج الحاكم عن ابن عباس ؛ وصححه: أنه أتاه رجل فقال: أأبدأ بالمروة قبل الصفا؛ أو بالصفا؟ وأصلي قبل أن أطوف؛ أو أطوف قبل؟ وأحلق قبل أن أذبح؛ أو أذبح قبل؟ فقال: " خذه من كتاب الله؛ فإنه أجدر أن يحفظ؛ قال (تعالى): إن الصفا والمروة ؛ الآية؛ فالصفا قبل؛ وقال: وطهر بيتي للطائفين ؛ الآية؛ فالطواف قبل؛ وقال: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ؛ فالذبح قبل" ؛ انتهى؛ وما ذكره في غير الصفا محمول على الأكمل؛ لأن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج" .

(قط)؛ من عدة طرق؛ (عن) ؛ أبي عبد الله ؛ ( جابر) ؛ ابن عبد الله الخزرجي المدني؛ ورواه عنه أيضا النسائي بإسناد صحيح؛ باللفظ المزبور في حديث طويل؛ وكذا البيهقي ؛ وصححه ابن حزم؛ فاقتفاه المؤلف؛ فرمز لتصحيحه؛ ورواه مسلم بلفظ: " أبدأ" ؛ بصيغة المضارع للمتكلم؛ وأحمد ؛ ومالك ؛ وابن الجارود ؛ وأبو داود ؛ والترمذي ؛ وابن ماجه ؛ وابن حبان ؛ والنسائي أيضا بلفظ: " نبدأ" ؛ بالنون؛ وقال ابن دقيق العيد: مخرج الحديث عندهم واحد؛ وقد أجمع مالك وسفيان والقطان على رواية: " نبدأ" ؛ بنون الجمع؛ قال ابن حجر: وهو أحفظ من الباقين؛ وهو يؤيد ضبط مسلم .



الخدمات العلمية