الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
386 - " إذا أراد الله بعبد خيرا؛ فقهه في الدين؛ وألهمه رشده " ؛ البزار ؛ عن ابن مسعود ؛ (ح).

التالي السابق


(إذا أراد الله بعبد خيرا؛ فقهه في الدين؛ وألهمه رشده) ؛ أي: وفقه لإصابة الرشد؛ وهو إصابة الحق؛ ذكره القاضي؛ قال الزمخشري : و" الرشد" : الاهتداء لوجوه المصالح؛ قال (تعالى): فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ؛ ومعنى إضافته إليه أنه رشد له شأن؛ قال السمهودي: ومفهومه أن من لم يفقهه في الدين؛ ولم يرشده؛ لم يرد به خيرا؛ وقد أخرجه أبو نعيم ؛ وزاد في آخره: " ومن لم يفقهه في الدين لم يبال الله به" ؛ وكذا أبو يعلى ؛ لكنه قال: " ومن لم يفقهه؛ لم يبال به" ؛ وفيه أن العناية الربانية؛ وإن كان غيبها عنا؛ فلها شهادة تدل عليها؛ ودلالة تهدي إليها؛ فمن ألهمه الله الفقه في الدين؛ ظهرت عناية الحق به؛ وأنه أراد به خيرا عظيما؛ كما يؤذن به التنكير؛ وهذا التقرير كله بناء على أن المراد بالفقه علم الأحكام الشرعية الاجتهادية؛ وذهب جمع - منهم الحكيم الترمذي - إلى أن المراد بالفقه: الفهم؛ فالفهم انكشاف الغطاء عن الأمور؛ فإذا عبد الله بما [ ص: 259 ] أمر؛ ونهى؛ بعد أن فهم أسرار الشريعة؛ وانكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر؛ ونهى؛ انشرح صدره؛ وكان أشد تسارعا إلى فعل المأمور؛ وتجنب المنهي؛ وذلك أعظم الخيور؛ وغيره إنما يعبده على مكابدة وعسر؛ لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله (تعالى) فالنفس إنما تنشط وتنقاد إذا رأت نفع شيء؛ أو ضره؛ وأما من فهم تدبير الله (تعالى) في ذلك؛ فينشرح صدره؛ ويخف عليه فعله؛ فذلك هو الفقه؛ وقد أحل الله النكاح؛ وحرم الزنا؛ وإنما هو إتيان واحد لامرأة واحدة؛ لكن هذا بنكاح؛ وهذا بزنا؛ فإذا كان بنكاح فشأنه العفة والتحصين؛ فإذا أتت بولد ثبت نسبه؛ وحصل العطف من أبيه؛ بالتربية والنفقة والإرث؛ وإذا كان من زنا؛ ضاع الولد؛ لأنه لا يدري أحد [من] الواطئين: ممن هو؟ فكل يجعله على غيره؛ وحرم الله الدماء؛ وأمر بالقود؛ لينزجروا؛ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ؛ وحرم المال؛ وأمر بقطع السارق؛ لتحفظ الأموال بالامتناع من ذلك؛ فعلل المنهيات؛ والمأمورات بينة لأولي الألباب.

( البزار ) ؛ وكذا الطبراني ؛ في الكبير؛ من هذا الطريق؛ بهذا اللفظ؛ ولعله غفل عنه؛ (عن ابن مسعود ) ؛ قال المنذري: إسناده لا بأس به؛ وقال الهيتمي: رجاله موثوقون؛ وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه لا يكفي؛ بل حقه الرمز لصحته؛ وظاهر كلامه أنه لم يخرجه أحد من الستة؛ والأمر بخلافه؛ فقد أخرجه الترمذي باللفظ المزبور؛ من حديث ابن عباس - رضي الله (تعالى) عنهما.



الخدمات العلمية