الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
304 - " إخوانكم خولكم؛ جعلهم الله قنية تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه؛ وليلبسه من لباسه؛ ولا يكلفه ما يغلبه؛ فإن كلفه ما يغلبه فليعنه " ؛ (حم ق د ت هـ) ؛ عن أبي ذر ؛ (صح).

[ ص: 221 ]

التالي السابق


[ ص: 221 ] (إخوانكم) ؛ جمع " أخ" ؛ وهو الناشئ مع أخيه من منشإ واحد؛ على السواء؛ بل بوجه ما؛ قاله الحراني ؛ (خولكم) ؛ بفتح المعجمة؛ والواو؛ وضم اللام؛ أي: خدمكم؛ جمع " خائل" ؛ أي: خادم؛ سمي به لأنه يتخول الأمور؛ أي: يصلحها؛ ومنه " الخولي" ؛ لمن يقوم بإصلاح البستان؛ و" التخويل" : التمليك؛ وأخبر عن الأخوة بـ " الخول" ؛ مع أن القصد عكسه؛ اهتماما بشأن الإخوان؛ أو لحصر الخول في الإخوان؛ أي: ليسوا إلا لإخوانكم؛ أي: من جهة تفرع الكل عن أصل واحد؛ وهو آدم - عليه الصلاة والسلام -؛ ومن قال: " في الدين" ؛ لم يصب؛ إذ يلزم قصر طلب المواساة في الأرقاء على المسلمين؛ مع عمومها؛ وحينئذ ففي الكلام معنى التشبيه؛ أو " إخوانكم" ؛ مبتدأ؛ و (جعلهم الله) ؛ خبره؛ فعليه " إخوانكم" ؛ مستعار لفظي للمشبه؛ وجوز جمع نصب " إخوانكم" ؛ بفعل مقدر؛ أي: " احفظوا إخوانكم" ؛ و" خولكم" ؛ نعت له؛ قال أبو البقاء : وهو أجود من الرفع في تخصيص الإخوان بالذكر؛ إشعارا بعلة المواساة؛ وأن ذلك مندوب؛ لأنه وارد على منهج التلطف؛ والتعطف؛ ومعاملتهم بالشفقة والمناصحة والمسامحة؛ وغير ذلك من ضروب الإحسان؛ مما يعود الطبع إليه من مناصحة الإخوان والخلان؛ وهو غير واجب؛ (قنية) ؛ بكسر القاف؛ وتضم؛ أي: ملكا؛ (تحت أيديكم) ؛ يعني قدرتكم؛ فاليد الحسية كناية عن اليد الحكمية؛ (فمن كان أخوه تحت يده) ؛ أي: فمن كان مملوكه في قبضته؛ وتحت حكمه وسلطانه؛ وفي رواية للبخاري: " يديه" ؛ بلفظ التثنية؛ (فليطعمه) ؛ بضم المثناة التحتية فيه وفيما بعده؛ أي: وجوبا؛ والأفضل كونه (من طعامه) ؛ الذي يأكله هو؛ (وليلبسه) ؛ مما يليق؛ (من لباسه) ؛ قال الرافعي: لا مناقضة بينه وبين الخبر الآتي: " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف" ؛ لأن ما هنا في حق العرب؛ الذين طعامهم وطعام عبيدهم وكسوتهم متقاربة؛ وذلك في حق المترفهين في الطعام واللباس؛ فليس عليهم لمماليكهم إلا المتعارف لهم بالبلد؛ سواء كان من جنس نفقة السيد؛ أو فوقه؛ أو دونه؛ انتهى؛ وخرج بما ذكر نحو عفاف القن؛ فلا يؤمر به سيده؛ والواجب الكفاية؛ (ولا يكلفه) ؛ من التكليف؛ وهو تحميل الشخص شيئا معه كلفة؛ وقيل: هو الأمر بما يشق؛ أي: لا يكلفه من العمل؛ (ما يغلبه) ؛ أي: ما لا يطيقه في بعض الأحيان؛ (فليعنه) ؛ عليه بنفسه؛ أو بغيره؛ فيحرم على السيد أن يكلف قنه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام؛ وله تكليفه عملا شاقا في بعض الأحيان؛ لكن عليه إعانته؛ أي: مساعدته؛ ومثل القن نحو خادم؛ وأجير؛ ودابة؛ ولم يصب في التعبير من قال - كابن جماعة -: تدخل في الخول الرقيق والخادم الحر؛ وكذا الدواب؛ انتهى؛ وما ذاك إلا لأن لفظ " الخول" ؛ في الحديث لا يشمل الدابة؛ لوصفه بالأخوة؛ فالشمول ممنوع؛ وليس إلا القياس؛ وفيه الأمر بالعطف على المملوك؛ والشفقة عليه؛ والتذكير بالنعمة؛ والقيام بشكرها؛ والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وغير ذلك.

(حم ق د ت هـ؛ عن أبي ذر ) ؛ قال ابن حجر: وفيه قصة؛ أي: وذلك لأن المعرور بن سويد رأى أبا ذر عليه حلة؛ وعلى غلامه مثلها؛ فسأله عن ذلك؛ فذكر أنه ساب رجلا فعيره بأمه؛ فأتى الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك؛ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنك امرؤ فيك جاهلية..." ؛ أي: خلق من أخلاقهم؛ ثم ذكره.



الخدمات العلمية