الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
805 - " إذا كان جنح الليل؛ فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ؛ فإذا ذهب ساعة من الليل؛ فحلوهم؛ وأغلقوا الأبواب؛ واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا؛ وأوكئوا قربكم؛ واذكروا اسم الله؛ وخمروا آنيتكم؛ واذكروا اسم الله؛ ولو أن تعرضوا عليه شيئا؛ وأطفئوا مصابيحكم " ؛ (حم ق د ن)؛ عن جابر؛ (صح).

التالي السابق


(إذا كان جنح الليل) ؛ بضم الجيم؛ وكسرها؛ أي: أقبل ظلامه؛ قال الطيبي: " جنح الليل" : طائفة منه؛ وأراد به هنا الطائفة الأولى منه؛ عند امتداد فحمة العشاء؛ (فكفوا صبيانكم) ؛ ضموهم؛ وامنعوهم من الخروج؛ ندبا فيه وفيما يأتي؛ وقال الظاهرية: وجوبا؛ (فإن الشيطان) ؛ يعني: الجن؛ وفي رواية: " الشياطين" ؛ ولامه للجنس؛ (تنتشر حينئذ) ؛ أي: حين فحمة العشاء؛ لأن حركتهم ليلا أمكن منها نهارا؛ إذ الظلام أجمع لقوى الشيطان؛ وعند ابتداء انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به؛ فخيف على الأطفال من إيذائهم؛ (فإذا ذهب ساعة من الليل) ؛ وفي رواية: " من العشاء" ؛ (فحلوهم) ؛ بحاء مهملة مضمومة؛ في صحيح البخاري ؛ وفي رواية له أيضا بخاء معجمة مفتوحة؛ وحكي ضمها؛ أي: فلا تمنعوهم من الخروج؛ والدخول؛ (وأغلقوا) ؛ بفتح الهمزة؛ (الأبواب) ؛ أي: ردوها؛ وفي رواية البخاري لها: " وأغلق بابك" ؛ بالإفراد؛ خطاب لمفرد؛ والمراد به كل واحد؛ فهو عام من حيث المعنى؛ (واذكروا اسم الله) ؛ عليها؛ (فإن الشيطان) ؛ أي: الجنس؛ (لا يفتح بابا مغلقا) ؛ أي: وقد ذكر اسم الله عليه؛ ولا يناقضه ما ورد أنه يخطر بين المرء وقلبه؛ وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ فإن هذه أطوار وأحوال؛ ولله أن يشكلها في أي صورة شاء؛ وليس لها التصرف بذاتها؛ وقد يجعل الله هذه الأسباب قيودا لها؛ وتصديق من لا ينطق عن الهوى فيما جاء به واجب؛ (وأوكئوا قربكم) ؛ سدوا أفواهها بنحو خيط؛ (واذكروا اسم الله) ؛ على ذلك؛ فإنه السور العظيم؛ والحجاب المنيع الدافع للشيطان؛ والوباء؛ والحشرات؛ والهوام؛ والأولى أن يقال ما ورد: " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض؛ ولا في السماء" ؛ (وخمروا) ؛ غطوا؛ (آنيتكم) ؛ جمع قلة؛ وجمع الكثرة " أواني" ؛ (واذكروا اسم الله) ؛ عليها؛ فإنه السور العريض؛ والحجاب المنيع بين الشيطان؛ والإنسان؛ ولو شاء ربك لكان الغطاء كافيا؛ أو ذكر اسم الله كافيا؛ لكنه قرن بينهما ليعلم كيفية فعل الأسباب في دارها؛ وليبين أنها إنما تفعل بذكر الله عليها؛ لا بذاتها؛ (ولو أن تعرضوا) ؛ بفتح أوله؛ وضم الراء؛ وكسرها؛ والأول - كما قاله العيني - أصح؛ والمذكور بعد " لو" ؛ فاعل فعل مقدر؛ أي: " ولو ثبت أن تعرضوا" ؛ أي: تضعوا؛ (عليه) ؛ الإناء؛ (شيئا) ؛ أي: على رأسه؛ قال الطيبي: جواب " لو" ؛ محذوف؛ أي: لو خمرتموها عرضا بشيء؛ كعود؛ وذكرتم اسم الله عليه؛ كان كافيا؛ والمقصود أن يجعل نحو عود على عرضه؛ فإن كان مستدير الفم؛ فهو كله عرض؛ وإن كان مربعا؛ فقد يكون له عرض وطول؛ فيجعله عليه عرضا؛ لا طولا؛ والمراد: وإن لم يغطه؛ فلا أقل من ذلك؛ أو إن فقدتم ما يغطيه؛ فافعلوا المقدور؛ ولو أن تجعل عليه عودا بالعرض؛ وقيل: المعنى: اجعلوا بين الشيطان؛ وبين آنيتكم حاجزا؛ ولو من علامة تدل على القصد إليه؛ وإن لم يستول الستر عليه؛ فإنها كافية مع ذكره؛ عاصمة بقضاء الله وأمره؛ وقد عمل بعضهم بالسنة؛ فأصبح والأفعى ملتفة على العود؛ (وأطفئوا مصابيحكم) ؛ أذهبوا نورها؛ ولا يكون " مصباحا" ؛ إلا بالنور؛ وبدونه " فتيلة" ؛ والمراد: إذا لم تضطروا إليه؛ لنحو برد؛ أو مرض؛ أو تربية طفل؛ أو نحو ذلك؛ والأمر في الكل للإرشاد؛ وجاء في حديث تعليل الأمر بالطفي؛ بأن الفويسقة تجر الفتيلة؛ فتحرق البيت؛ وقد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أشفق على أمته من الوالدة بولدها؛ ولم يدع شفقته دينية؛ ولا دنيوية؛ إلا أرشد إليها؛ قال النووي - رحمه الله -: وفيه جمل من أنواع الخير؛ وآداب جامعة؛ جماعها: تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون؛ لتصل السلامة من آفات الدارين؛ وقال القرطبي : تضمن هذا الحديث أن الله أطلع نبيه على ما يكون في هذه الأوقات [ ص: 424 ] من المضار؛ من جهة الشياطين؛ والفأر؛ والوباء؛ وقد أرشد إلى ما يتقى به ذلك؛ فليبادر إلى فعل تلك الأمور؛ ذاكرا لله؛ ممتثلا أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ شاكرا لنصحه؛ فمن فعل؛ لم يصبه من ذلك ضرر؛ بحول الله وقوته؛ وفيه رد على من كره غلق الباب؛ من الصوفية؛ وقال: الصوفية يفتحون؛ ولا يغلقون.

(حم ق د ن؛ عن جابر ) .



الخدمات العلمية