الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
917 - " أربع من كن فيه؛ حرمه الله (تعالى) على النار؛ وعصمه من الشيطان: من ملك نفسه حين يرغب؛ وحين يرهب؛ وحين يشتهي؛ وحين يغضب؛ وأربع من كن فيه؛ نشر الله (تعالى) عليه رحمته؛ وأدخله الجنة: من آوى مسكينا؛ ورحم الضعيف؛ ورفق بالمملوك؛ وأنفق على الوالدين " ؛ الحكيم؛ عن أبي هريرة ؛ (صح).

التالي السابق


(أربع من كن فيه؛ حرمه الله) ؛ في الآخرة؛ (على النار) ؛ أي: منعه من دخولها؛ إذا فعل مع ذلك المأمورات؛ وتجنب المنهيات؛ (وعصمه) ؛ في الدنيا؛ (من الشيطان) ؛ أي: منعه منه؛ ووقاه بلطفه من كيده؛ و" العصمة" : المنع - يقال: " عصمه الطعام" ؛ أي: منعه - والحفظ؛ كما في الصحاح: (من ملك نفسه حين يرغب؛ وحين يرهب) ؛ أي: حين يريد؛ ويشتهي؛ وحين يخاف؛ ويكره؛ لأن لكل رغبة؛ ورهبة؛ وشهوة؛ حرارة تثور في النفس في الباطن؛ كاضطرام النار؛ حرصا على أن تدرك مرادها؛ فإذا أخمد تلك النار؛ حرم الله عليه نار القيامة؛ قال المولى التفتازاني: والرغبة في الشيء: الإرادة المقارنة للرضا؛ من " رغب في الشيء" ؛ بالكسر؛ و" ارتغب فيه" ؛ مثله؛ لا من " رغبت عن الشيء" ؛ إذا لم ترده؛ وقال الراغب : " الرهبة" : مخافة مع تحزن واضطراب؛ (وحين يشتهي؛ وحين يغضب) ؛ لأن الملك للقلب على النفس؛ فمن كان قلبه مالكا لنفسه في هذه الأحايين الأربع؛ فقد حرم على النار؛ واختسأ شيطانه؛ لأن الدنيا كلها في هذه الأربع؛ فإذا ملك القلب النفس بقوة المعرفة والعلم بالله؛ فقد دقت دنياه في عينه؛ وتلاشت؛ ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى؛ فكل شعبة من شعب دنياه في عينه كالجبال؛ فعظم عنده شأنها؛ وصارت الآخرة في قلبه كالحلم؛ فإذا انتبه؛ ندم؛ فإذا كان القلب أميرا؛ أعطى النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع؛ ومنعها ما سواها؛ لئلا يتطاير شررها؛ وتشتعل نارها في العروق؛ فتجاوز الحدود؛ (وأربع من كن فيه؛ نشر الله) - تعالى - (عليه رحمته) ؛ أي: بثها عليه؛ وأحيا قلبه بها في الدنيا؛ (وأدخله جنته) ؛ في [ ص: 465 ] الأخرى؛ (من آوى مسكينا) ؛ أي: أمكنه عنده؛ وكفاه المؤنة؛ أو تسبب له في ذلك؛ والمراد هنا ما يشمل الفقير؛ لقول إمامنا الشافعي : إذا اجتمعا؛ افترقا؛ وإذا افترقا؛ اجتمعا؛ (ورحم الضعيف) ؛ حسا؛ ومعنى؛ أي: رق له؛ وعطف عليه؛ وأحسن إليه؛ (ورفق بالمملوك) ؛ أي: مملوكه؛ بقرينة ما بعده؛ بأن: لم يحمله على الدوام ما لا يطيقه؛ ويطعمه من طعامه؛ ويلبسه من لباسه؛ (وأنفق على الوالدين) ؛ أي: أبويه؛ وإن علوا؛ لأنه لما غلب عليه سلطان الرحمة في الدنيا؛ فرحم هؤلاء؛ فجوزي بشمول الرحمة في الآخرة؛ وسبوغها له؛ والجزاء من جنس العمل.

( الحكيم) ؛ الترمذي ؛ في النوادر؛ (عن أبي هريرة ) ؛ وإسناده ضعيف.



الخدمات العلمية