( حدثنا ، أخبرنا أحمد بن منيع إسماعيل بن إبراهيم أنبأنا ) وفي نسخة حدثنا وفي أخرى أخبرنا ( ( عن علي بن زيد ) أي ابن جدعان عمر هو ) أي عمر المذكور هو ( ابن أبي حرملة عن ، قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ) ضمير تأكيد تصحيحا للعطف بقوله : ( ابن عباس على وخالد بن الوليد ميمونة ) أي أم المؤمنين ( فجاءتنا بإناء من لبن ، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي من بعض ما فيه ( وأنا على يمينه ) أي مستعل مستول عليها لسبقي بها ( وخالد عن شماله ) أي متأخر متجاوز عنها لتأخره ، وهذا أظهر مما قال ابن حجر من أن مخالفته بعلى في حقه ، وبعن في خالد دلت على أنه كان أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من خالد ، وهو محتمل لصغره وقرابته ، فقدم جبرا لخاطره ، ويحتمل أن التخالف لمجرد التفنن في العبارة ، فهما بمعنى واحد ، وهو مجرد الحضور معه انتهى . وللطيبي كلام مبسوط بيناه في شرح المشكاة ، ( فقال لي ) بفتح الياء ويسكن ( الشربة لك ) أي لأنك صاحب اليمين ، وقد ورد : الأيمن فالأيمن .
رواه مالك وأحمد وأصحاب الستة عن أنس ، ويستفاد منه تقديم الأيمن ندبا ولو صغيرا مفضولا ; ولذا قال : ( فإن شئت آثرت بها خالدا ) أي مراعاة للأكبر أو الأفضل .
وفي نسبة المشيئة إليه تطييب لخاطره ، وتنبيه نبيه على أن الإيثار أولى له [ ص: 304 ] .
وأغرب ابن حجر حيث قال : نعم ، قد يشكل على ذلك قول أئمتنا يكره الإيثار بالقرب ، وقد يجاب بأن محل الكراهة ، حيث آثر من ليس أولى منه بذلك ، وإلا كما هنا ، وكتقديم غير الأفقه مثلا على الأفقه في الإمامة ، فلا كراهة انتهى .
ووجه الغرابة أنه إذا قدم من هو أولى منه في الإمامة وغيرها ، لا يسمى إيثارا ، وإنما الإيثار إذا كان متساويا مع غيره في الاستحقاق ، أو هو أولى من غيره في الاتفاق ، كما يدل عليه قوله تعالى : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وقد بسطنا هذا المبحث مع حديث أبي بكر رضي الله عنه ، والأعرابي في شرح المشكاة ( فقلت : ما كنت لأوثر ) بكسر اللام ونصب الفعل على أن اللام لتأكيد النفي ، كما في قوله تعالى : وما كان الله ليعذبهم أي لا ينبغي لي ولا يستقيم مني أن أختار ( على سؤرك ) بضم فسكون همز ، ويبدل أي ما بقي منك ( أحدا ) أي غيري يفوز به ، وروي ما كنت لأوثر بفضل منك أحدا ، وفي النهاية ومنه حديث لا أوثر بسؤرك أحدا ، أي لا أتركه لأحد غيري ، انتهى . الفضل بن عباس
ولعل القضية متعددة أو المراد من إطلاق هو الفضل لدليل آخر ، وإلا ابن عباس إذا أطلق فالمراد به الفرد الأكمل ، وهو عبد الله على قواعد المحدثين ، كما إذا أطلق عبد الله فالمراد به فابن عباس ، وإذا أطلق ابن مسعود ، وقال بعض الشراح : أي سؤر أحد على حذف مضاف ، وهو تقدير حسن ; لأنه يشعر بأنه منع الإيثار ; لأنه يحرم عن سؤره صلى الله عليه وسلم ويقع له سؤر غيره ; لأن من المعلوم أن خالدا ما كان يشرب سؤره كله ، مع إفادة أنه لو فرض فراغ اللبن بشرب الحسن فهو البصري خالد ، لكان الامتناع من الإيثار أولى للحرمان الكلي ، لكن غفل عن أن سؤره صلى [ ص: 305 ] الله عليه وسلم ، مع بقاء سؤر ابن عباس خالد أفضل ، فكان الإيثار موجبا للأكمل ، فإن سؤر المؤمن شفاء ; ولذا لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يشرب ماء زمزم ، فقال العباس للفضل : هات الشربة من البيت ، فإن ماء السقاية استعملته الأيادي ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنما أريد بركة أيدي المؤمنين ، أو ما هذا معناه ، وفي الجامع الصغير أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى المطاهر أي السقايات ، فيؤتى بالماء فيشربه ، ويرجو بركة أيدي المسلمين ، رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ، وقد أطال ابن عمر ابن حجر الرد على قائل المضاف ، ونسب قوله إلى الركاكة وغيرهما ، مما يتعجب منه صاحب الإنصاف ، ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أطعمه الله طعاما فليقل ) أي ندبا بعد أكله والحمد عليه ، وأما قول ابن حجر ، فليقل حال الأكل ، فإن آخره إلى ما بعده ، فالأولى أن يكون بعد الحمد ، كما هو ظاهر فليس بظاهر ; لأن حال الأكل لا يقال أطعمنا خيرا منه ، أو زدنا منه كما هو ظاهر ( اللهم بارك لنا ) أي معشر المسلمين أو جماعة الآكلين ( فيه ) والظاهر أنه يأتي بهذا اللفظ ، وإن كان وحده رعاية للفظ الوارد وملاحظة لعموم الإخوان ، فإنه ورد : ، ( وأطعمنا خيرا منه ) أي من الطعام الذي أكلناه ( ومن سقاه الله لبنا ) أي خالصا أو ممزوجا بماء وغيره ، ( فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) أي من جنس اللبن الذي شربنا منه ، وفيه أنه لا خير في اللبن بالنسبة لكل أحد وأشار المصنف إلى دليله بقوله : ( قال ) أي لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس شيء يجزئ ) بهمزة في آخره من الإجزاء أي لا يغني ولا يكفي ، ولا يقوم شيء ( مكان الطعام والشراب ) أي مقامهما ( غير اللبن ) منصوب على الاستثناء ، ويجوز أن يكون مرفوعا على البدل ، وأغرب من تردد من الشراح في أنه هل يلحق ما عدا اللبن من الأشربة به أو بالطعام ، ووجه غرابته ظاهر لا يخفى على من تأمل أدنى تأمل في المبنى والمعنى ، ( قال ابن عباس أبو عيسى ) أي المؤلف بعد رواية الحديثين في بعض ما يتعلق بهما ، فمن الحديث الأول قوله : ( هكذا ) أي مثل ما سبق في إيراد الإسناد ( روى هذا الحديث ) يعني الأول ( عن معمر عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري عروة عن عائشة ) أي متصلا كما ذكرنا يعني وله إسناد آخر ، وهو المعني بقوله : ( ورواه عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق وغير واحد ) أي وكثير من الرواة ( عن معمر عن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ) أي بحذف الصحابي ، مع قطع النظر عن إسقاط عروة ، فإن الزهري أحد الفقهاء والمحدثين والعلماء الأعلام من التابعين ، سمع الزهري سهل بن سعد ، وأنس بن مالك وأبا الطفيل وغيره ، وروى عنه خلق كثير ; ولذا قال : ( ولم يذكروا ) أي والأكثرون ( فيه ) أي في إسناد هذا الحديث ( عن ابن المبارك عروة عن عائشة ، وهكذا روى يونس وغير واحد عن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ) أي فيكون الزهري منفردا من بين أقرانه في إسناده موصولا ، وهذا معنى قوله : ( قال ابن عيينة أبو عيسى [ ص: 306 ] وإنما أسنده من بين الناس ) أي بإسناد متصل فيكون حديثه غريبا إسنادا ، والغرابة لا تنافي الصحة ، والحسن كما هو مقرر في محله فحاصله أن سند الإرسال أصح من سند الاتصال ، كما صرح المصنف به في جامعه ، وقال : والصحيح ما روي عن ابن عيينة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، انتهى . الزهري
وهو لا يضر ، فإن مذهبنا ومذهب الجمهور أن ، وكذلك عند المرسل حجة إذا اعتضد بمتصل ، وقد قال الشافعي ابن حجر : بين هذا الحديث روي مسندا ومرسلا ، ولم يبين حكم ذلك لشهرته ، وهو أن الحكم للإسناد ، وإن كثرت رواة الإرسال ; لأن مع المسند زيادة علم ، قال المصنف : وهو حديث حسن ، انتهى . ( وميمونة ) أي المذكورة في الحديث الثاني ( بنت الحارث ) أي الهلالية العامرية ( زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ) يقال : إن اسمها كان برة ، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ، كانت تحت معوذ بن عمرو الثقفي في الجاهلية ، ففارقها فتزوجها أبو درهم وتوفي عنها ، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع في عمرة القضاء ، بسرف على عشرة أميال من مكة ، وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي تزوجها وبنى بها فيه ، سنة إحدى وستين ، وصلى عليها ودفنت فيه ، وهو موضع بين ابن عباس التنعيم والوادي في طريق المدينة ، وبني على قبرها مسجد يزار ويتبرك به ، وهي أخت ، وأخت أم الفضل امرأة العباس ، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها جماعة منهم أسماء بنت عميس ، وقوله : ( هي خالة عبد الله بن عباس ، وخالة خالد بن الوليد ، وخالة ابن عباس ) بيان وجه دخولهما على يزيد بن الأصم ميمونة ، وزيد يزيد استطرادا ( واختلف الناس في رواية هذا الحديث ) أي الحديث الثاني ( عن ) بضم الجيم وسكون الدال المهملة ، ( فروى بعضهم ) أي بعض المحدثين ( عن علي بن زيد بن جدعان علي بن زيد عن عمر بن أبي حرملة ) كما سبق في الإسناد ( وروى شعبة ) أي من بين المحدثين ( عن فقال ) أي فقال علي بن زيد شعبة في إسناده بعد قوله : ( عن علي عن عمرو بن حرملة ، والصحيح عن عمر بن أبي حرملة ) أي الصحة في موضعين على ما ذكره البيهقي الأول عمر بلا واو ، الثاني أبي حرملة على الكنية لا بالاكتفاء على العلمية ، وإنما أعاد هذا البيان مع استفادته من إيراد إسناده ، لبيان المراد بالتصريح ، ولمقام الاختلاف بالتصحيح .