الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 269 ] ( حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ) بضم الميم وتشديد الراء ، أي ابن عبد الله بن طارق البجلي ( عن مرة ) أي ابن شراحيل ( الهمداني ) بسكون الميم نسبة إلى القبيلة ( عن أبي موسى ) أي الأشعري ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضل عائشة على النساء ) أي مطلقا أو نساء زمانها أو نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كن في زمانها ( كفضل الثريد ) فعيل بمعنى المفعول ، وهو الخبز المأدوم بالمرق ، سواء كان مع اللحم ، أو لم يكن ، لكن الأول ألذ وأقوى ، وهو الأغلب ( على سائر الطعام ) أي باقي الأطعمة وقول ابن حجر : أي من جنسه بلا ثريد محمول على أنه بسائر الطعام جميعه ، وفي حديث أبي داود : أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز ، والثريد من الحيس .

وفي حديث سلمان رواه الطبراني والبيهقي : البركة في ثلاثة في الجماعة والثريد والسحور .

قال بعض الأطباء : الثريد من كل طعام أفضل من المرق ، فثريد اللحم أفضل من مرقه ، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه ، والمراد من فضل الثريد نفعه ، والشبع منه ، وسهولة مساغه ، والالتذاذ به ، ويسر تناوله ، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة ، فهو أفضل من المرق ، ومن سائر الأطعمة ، من هذه الحيثيات ، ومن أمثالهم الثريد أحد اللحمين ، وفي النهاية بل اللذة والقوة إذا كان اللحم نضيجا في المرق ، أكثر مما في نفس اللحم ، وقال الأطباء : هو يعيد الشيخ إلى صباه ، وفي الحديث إشارة إلى أن الفضائل التي اجتمعت في عائشة ، ما توجد في جميع النساء من كونها امرأة أفضل الأنبياء ، وأحب النساء إليه ، وأعلمهن وأنسبهن وأحسبهن ، وإن كانت لخديجة وفاطمة وجوه أخر من الفضائل البهية ، والشمائل العلية ، ولكن الهيئة الجامعية في الفضيلة المشبهة بالثريد ، لم توجد في غيرها ; ولهذا قيل : ليس في هذا الحديث تصريح بأفضلية عائشة على غيرها من النساء من جميع الوجوه ; لأن فضل الثريد على باقي الأطعمة من جهات مخصوصة ، وهو لا يستلزم الأفضلية ، من كل الوجوه ، وقد ورد في الصحيح ما يدل على أفضلية فاطمة وخديجة على غيرهما من النساء ، والله سبحانه أعلم .

قال الطيبي : والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين القوة واللذة ، وسهولة التناول ، وقلة المدة في المضغ ، فضرب به مثلا ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق ، وحلاوة النطق ، وفصاحة اللهجة ، وجودة القريحة ، ورزانة الرأي ، ورصانة العقل ، التحبب إلى البعل ، فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها ، والإصغاء إليها وحسبك أنها عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعقل غيرها من النساء ، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية