الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن خشرم ) : بفتح المعجمة الأولى وسكون الثانية والراء ، وهو منصرف كجعفر على ما في القاموس ، وضبط في نسخة بفتح الميم على عدم الصرف ، ولعل علته الأخرى العجمة . ( أخبرنا ) : وفي نسخة " أنبأنا " . ( عيسى بن يونس ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : ما رأيت أحدا من الناس ) : من بيانية . ( أحسن ) : تقدم ما يتعلق به . ( في حلة حمراء ) : لبيان الواقع لا للتقييد . ( من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : متعلقة بأحسن . ( إن كانت جمته ) : بضم الجيم وتشديد الميم ، أي شعر رأسه وإن مخففة من المثقلة [ ص: 143 ] ويدل عليها اللام الفارقة بينهما وبين النافية في قوله : ( لتضرب ) : أي لتصل . ( قريبا من منكبيه ) : أي باعتبار جانبيه ، قال ميرك : ولأبي داود من حديث هلال بن عامر ، عن أبيه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على بعيره وعليه برد أحمر . وسنده حسن ، وللطبراني بإسناد حسن عن طارق المحاربي نحوه ، قال : ففي هذه الأحاديث جواز لبس الثوب الأحمر ، واختلف العلماء فيه على أقوال : الأول : الجواز مطلقا لهذه الأحاديث . الثاني : المنع مطلقا لحديث عبد الله بن عمرو قال : رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما " . أخرجه مسلم ، وفي لفظ له : فقلت : أغسلهما ؟ ، قال : " بل احرقهما " . والمعصفر هو الذي يصبغ بالعصفر ، وغالب ما يصبغ به يكون أحمر ; ولحديث ابن عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم ، وهو بالفاء وشد الدال ، وهو المصبغ بالعصفر . أخرجه البيهقي وابن ماجه ، وأخرج البيهقي في الشعب من طريق أبي بكر الهذلي ، وهو ضعيف ، عن الحسن البصري ، عن رافع بن يزيد الثقفي ، رفعه : " إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة " . وأخرجه ابن منده ، وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا ، فالحديث ضعيف وبالغ الجورباني فقال : إنه باطل . والحق أنه ليس كذلك ، ولحديث عبد الله بن عمر ، وأخرجه أبو داود والترمذي في الجامع ، وحسنه البزار أيضا عن امرأة من بني أسد قالت : كنت في بيت زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع ، فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة ، فجاء فدخل . وفي سنده راو ضعيف . الثالث : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا ، وكان الحجة فيه حديث ابن عمر المتقدم . الرابع : يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ، ويجوز في البيوت ووقت المهنة . الخامس : لا يجوز لبس ما كان صبغ بعد النسج وجنح إلى ذلك الخطابي ، واحتج بأن الحلل الواقعة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء لإحدى حللهن ، وكذا البرد الأحمر والبرود الحمر يصبغ غزلها ثم ينسج . السادس : اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر لورود النهي عنه ، ولا يمنع ما صبغ بغيره من أنواع الصبغ ، ويعكر عليه حديث المغرة المتقدم . السابع : تخصيص المنع بالذي يصبغ كله ، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك يحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء ، فإن الحلل غالبا تكون ذوات خطوط حمر وغيرها ، قال ابن القيم : كان بعض العلماء يلبس ثوبا مصبغا بالحمرة ويزعم أنه يتبع السنة ، وهو غلط ; فإن الحلة الحمراء من برود اليمن لا يصبغ أحمر صرفا ، وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون إلا أني لا أحب لبس ما كان مصبغا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ، ظاهرا فوق الثياب ; لكون ذلك ليس من زي أهل المروءة في زماننا ، فإن مراعاة ذوي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما . وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة ، قلت : إلا أن يكون موافقا للسنة فلا عبرة بالمروءة المبنية على البدعة . قال ميرك : وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن . وقال العسقلاني : والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الثوب الأحمر [ ص: 144 ] إن كان من أجل أنه من لباس الكفار ، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء ، وتحقيق القول فيها إن كانت من حرير غير حمراء فاستعمالها ممنوع لأجل أنها من الحرير واستعمال الحرير للرجل حرام لا سيما إن كانت مع ذلك حمراء ، وإن كانت غير حرير فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم ، وإن كان النهي عن لبس الثوب الأحمر من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء ، فعلى الوجهين يكون النهي عنه لا لذاته ، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمتنع حيث يقع ذلك وإلا فلا فيقوى قول من قال بالتفرقة بين لبسه في المحافل وفي البيوت ، والله أعلم ، انتهى . وقال النووي : أباح المعصفر جمع من العلماء ومنهم من كرهه تنزيها ، وحمل النهي عليه ، لكن أشار البيهقي إلى أن مذهب الشافعي حرمته كالمزعفر وصح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحرق المعصفر ، وأما ما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته ، فيعارضه ما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزعفر ، وأما ما روى الدمياطي أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة ، فمحمول على المخطط بخطوط حمر كما يدل عليه البرد ، والجمع بين الأدلة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية